14 ألف صوت يتنافسون على “عرش التلاوة”
تكشف المواهب الشابة والكنوز التي أودعها الله في “حناجر ذهبية”
د. الأزهري: ننقِّب عن الكنوز الموجودة
المتسابقون: تُحيِي أمجاد كبار القرّاء
طه النعماني: نُقلة نوعية في مسيرة التلاوة
د. أسامة رسلان: مشاركة كبيرة تعكس تعطُّش المجتمع للقرآن
تقرير: إسراء طلعت
في مشهد يليق بعظمة القرآن الكريم ومكانة مصر التاريخية في فنون التلاوة، صدحت أروقة مسجد وجامع عمرو بن العاص بأصوات من السماء تتنافس في الحفاظ على الهُوية المصرية ضمن اختبارات مسابقة “دولة التلاوة” والتي تُجرى بمشاركة أكثر من 14 ألف متسابق من مختلف محافظات الجمهورية، وسط تنظيم رفيع المستوى من وزارة الأوقاف، بالتعاون مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وسعي حثيث لإحياء المدرسة المصرية الأصيلة في فنِّ التلاوة.
تقام المسابقة تحت إشراف نخبة من كبار علماء وقراء مصر، على رأسهم طه النعماني، محمود محمد الخشت، يوسف قاسم حلاوة، د. ماهر فرماوي، وتُعد من أكبر الفعاليات القرآنية من حيث عدد المشاركين وقيمة الجوائز، التي تتجاوز 2.75 مليون جنيه موزّعة على فرعي التجويد والترتيل.
يحصل الفائز بالمركز الأول في كل فرع على مليون جنيه، و500 ألف للمركز الثاني، و250 ألف للثالث.
العطاء القرآني
أكد د. أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، أن المسابقة تمثل خطوة نوعية في إعادة الاعتبار لمدرسة التلاوة المصرية التي خرّجت عمالقة مثل الشيخ محمد رفعت، الحصري، المنشاوي، ومصطفى إسماعيل، مشيرًا إلى أن الوزارة تعتزم الدفع بالمواهب المتفوّقة لإمَامة المصلّين في المساجد الكبرى خلال شهر رمضان.
أضاف: المسابقة ليست مجرد اختبار لحسن الحفظ، بل هي منصة لاكتشاف “الجواهر والكنوز” التي أودعها الله في حناجر ذهبية تفيض جمالًا وتُبدع في تلاوة القرآن الكريم.
تابع: “إننا نريد لهذه المسابقة أن تكون أداة لاكتشاف خامات صوتية جديدة تليق بكتاب الله، وأن نرى نماذج متألِّقة من أبناء مصر يجمعون بين جمال الصوت وروح الأداء، ليكونوا قدوة في ميدان التلاوة وفن خدمة القرآن.”
وشدّد الوزير على أن المقامات الصوتية ليست غاية في ذاتها، وإنما هي علوم خادمة للنصّ القرآني تساعد القارئ على إبراز المعنى الذي أراده الله عز وجل، موضحًا أن جمال الصوت إذا اقترن بفهم صحيح للمقامات أضفى على التلاوة أثرًا بالغًا في النفوس، حيث يعبر القارئ بالمقام المناسب عن روح الآية؛ فإذا تلا آيات النعيم أدخل على النفس البهجة والسرور، وإذا تلا آيات الوعيد استشعرت القلوب رهبتها وجلالها.
واختتم د. الأزهري، مؤكدا أن الغرض من المسابقة هو الإسهام في دعم مدرسة التلاوة المصرية بأصوات جديدة نادرة ومدهشة، تواصل مسيرة العطاء القرآني، وتعيد للأذهان عظمة الأداء المصري الذي طالما أمتع الدنيا بأصواته الخاشعة العذبة.
مسابقة فريدة
ومن بين آلاف الأصوات، يبرز صوت رمضان معوّض، من الفيوم، والذي عبّر عن سعادته قائلاً: “علمت بالمسابقة من منصة الأوقاف، وقدّمت فيها وأنا أعمل خطيبًا بالمكافأة ومحفظًا للقرآن”.
رمضان سبق له أن شارك في مسابقة “صوت الندى” وحصد فيها مركزًا متقدّمًا على مستوى الجمهورية، ويرى أن “دولة التلاوة” مختلفة بطبيعتها، مضيفا: “هذه مسابقة فريدة من نوعها، تبرز أفضل الأصوات الحسنة، حتى ترجع المدرسة المصرية بقوة، والمسئولون عن المسابقة نيتهم صافية ومخلصين في عملهم”.
أشار إلى أن لجنة التحكيم تضم عمالقة، مضيفًا: “وجود الشيوخ الكبار في التحكيم شرف لنا، ويعطينا دفعة قوية، والأهم في التقييم هو إتقان الأحكام ثم الصوت الحسن”.
نموذج مُلهِم
أما المتسابق علي السيد عبدالعظيم، كفيف من بني سويف، فقصّته تمثّل نموذجا مُلهما في الإصرار والعطاء، قائلًا: “تعرفت على المسابقة عن طريق أحد الإخوة الذي أرسل لي الرابط، وصديق لي قدّم للمشاركة، لكن منذ صغيري ووالدايَّ علَّماني الاعتماد على نفسي، وهذا ما أحاول عمله دائمًا.”
“عليّ” حفظ القرآن في الصف الثالث الإعدادي على يد الشيخ عبدالله مبروك، يجيد القراءات العشر، ويعشق الاستماع إلى صوت الشيخ محمود الحصري “بسبب إتقانه الشديد في القراءة”، على حد قوله.
وعن المسابقة، قال: “نظامها ممتاز، وفيها شفافية، وكل واحد يأخذ حقّه بإذن الله، ووجود القراء الكبار في المسابقة فخر لنا”، واختتم حديثه برسالة مؤثّرة: “أحلم أن أزور بيت الله الحرام”.
مواهب قرآنية
ومن بين آلاف المتسابقين، يبرز اسم الطفل محمد عادل رفاعي 12 عاما، من الفيوم، ويمثل نموذجا مبكّرا لموهبة قرآنية واعدة. يقول: “والدي هو من حفّظني القرآن، ويعمل محفّظًا بالأزهر، والحمد لله أستطيع أن أقلّد كبار القراء مثل الشيخ محمد صديق المنشاوي، الشيخ عبدالباسط عبدالصمد”.
رغم صغر سنّه، يتمتّع محمد بثقة واضحة في نبرة صوته، وقُدرة لافتة على تقليد أساليب القراء الكبار، ما يعكس بيئة قرآنية غنيّة بالتوجيه والدعم.
ويمثّل “محمد” نموذجا حيًّا لما تسعى إليه الأوقاف من خلال هذه المسابقة في اكتشاف المواهب في مراحل مبكّرة، وتنميتها على أسس علمية، وربطها بتراث التلاوة المصري الأصيل.
لجنة التحكيم
يؤكد الشيخ طه النعماني، أحد أبرز أعضاء لجنة التحكيم، أن مشاركته تمثل لحظة فارقة وتجربة فريدة من نوعها، مشيرًا إلى أنها المرة الأولى التي تُقام فيها مسابقة بهذا الحجم والعدد الكبير من المشاركين.
أضاف: “مشاركتي شرف عظيم لي، فهي تجربة غير مسبوقة، وتشكل نقلة نوعية في مسيرة الاهتمام بفنون التلاوة في مصر، ولأول مرة نشهد هذا التجمّع الهائل من المواهب، في أجواء تنافسية راقية ومنظّمة بهذا الشكْل”.
تابع: “مصر كانت وستظل رائدة فن التلاوة في العالم أجمع، فهي مهبَط الأصوات العذبة، ومنها خرجت مدرسة التلاوة التي تعلّم منها القرّاء في شتى بقاع الأرض، فالقرآن قُرِئ في مصر، وصدَحت به مآذنها على مدار قرون، ومنها تخرّجت أجيال حملت هذا الفن في قلوبها وألسنتها”.
وحول الأصوات المشاركة في المسابقة حتى الآن، عبّر “النعماني” عن تفاؤله، قائلًا: “هناك عدد لا بأس به من الأصوات الجميلة، وأرى أن هناك أملاً كبيرًا في أن تخرج أسماء لامعة، صحيح أن البعض قد لا يحظى بالفوز، لكن هذا لا يعني أنهم ليسوا موهوبين، بل ربما يحتاجون إلى بعض التوجيه الفني في مجالات الأحكام أو الأداء الصوتي”.
أوضح، أن الركيزة الأساسية للتقييم تقوم على عنصرين رئيسيين: حضور مَلَكَة الصوت لدى المتسابق، أي جمال الصوت وصفاؤه وقُدرته على التأثير، وإتقان أحكام التلاوة، خاصة في المِدُود والغُنَن والمخارج والوقف والابتداء، مشيرًا إلى أن الأداء المنضبط هو ما يصنع القارئ الحقيقي.
تابع: دولة التلاوة ليست مجرد مسابقة لمن يجيد القراءة فقط، بل هي مشروع لاكتشاف المواهب وتنميتها وتوجيهها بشكل علمي ومدروس، وهذا جهد كبير جدًا، نحن لا نبحث فقط عن الموهبة الظاهرة، بل عن تلك التي قد تكون خفيّة وتحتاج إلى من يُنمّيها ويُبرزها للناس”.
وكشف “النعماني” عن أن الفائز في المسابقة لن يُكرَّم فقط بالجوائز المالية الضخمة، بل سيحظى بفرصة عظيمة لتسجيل القرآن بصوته، قائلاً: هذا أكبر دعم ممكن تقديمه للقارئ الفائز، أن يسمعه الناس في كل أنحاء العالم، ويُذاع صوته في القنوات والإذاعات، فهذا تكريم معنوي يفوق أي جائزة مادية.
واختتم “النعماني” مشيداً بالتنظيم المتميز للمسابقة، قائلاً: دور الأوقاف والشركة المتحدة في إقامة هذه المسابقة لا يُقدّر بثمن، لقد قاموا على هذا العمل بأعلى درجات الاحتراف والدقّة، وبذلوا جهدًا ضخمًا ليخرج بهذه الصورة المشرّفة التي نراها اليوم.
اكتشاف جيل جديد
من جانبه قال د. أسامة رسلان، المتحدث باسم وزارة الأوقاف، إن الأوقاف تسعى إلى اكتشاف وتقديم جيل جديد من القراء، يمتلك أدوات التجويد والإحساس، ويتواصل مع التراث الأصيل لمدرسة التلاوة المصرية، موضحاً أن التجاوب الشعبي الواسع والمشاركة الكبيرة من الشباب والكبار على حدٍّ سواء، تعكس تعطُّش المجتمع المصري لعودة الريادة في هذا الفن الراقي.
وأكد أن دولة التلاوة ليست مجرد مسابقة، بل رؤية متكاملة لإحياء الذوق القرآني، وإعادة مصر إلى مكانتها كمنارة للعالم الإسلامي في فنون تلاوة كتاب الله.
محافظات مركزية
أما د. أسامة فخري الجندي، المشرف العام على المسابقة، فأوضح أنها تُعد أكبر حدث قرآني تلفزيوني تنظمه الأوقاف بالتعاون مع المتحدة للخدمات الإعلامية، بهدف تعزيز ريادة مصر في مجال القرآن والحفاظ على مكانتها التاريخية كدولة التلاوة.
وأكد أن باب المشاركة لا يزال مفتوحًا رغم بدء التقديم قبل شهرين، مشيرًا إلى أن هناك 7 محافظات مركزية تضم: القاهرة والجيزة والقليوبية والفيوم وبني سويف، حيث يمكن لكل من يرى في نفسه امتلاك صوت حسن ودقّة في أحكام التلاوة، التوجّه إلى مسجد عمرو بن العاص والمشاركة في المسابقة المستمرة حتى الأحد من الأسبوع المقبل، مع استقبال المشاركين من التاسعة صباحًا حتى التاسعة مساءً، عدا يوم الجمعة.
أشار إلى وجود محافظات مركزية أخرى مثل: الإسكندرية والبحيرة وأسيوط، مع مواعيد محدَّدة للمشاركة في كل منها.
وأكد د. الجندي أن الجائزة الأولى للفائز في المسابقة مليون جنيه لكل من فرعي الترتيل ورفع التجويد، أما الجائزة الثانية فتكون 500 ألف جنيه لكل من المركز الثاني في الفرعين، والجائزة الثالثة 250 ألف جنيه لكل من المركز الثالث في الفرعين.
أما عن شروط العمر، فأكد د. الجندي أن المسابقة غير مقيّدة بحدٍّ أدنى أو أقصى للعُمر، لأن المواهب قد تظهر من مختلف الفئات العُمرية.
وفي نصيحته للمتقدّمين، قال: “إذا كنت ترى في نفسك صوتًا حسنًا، وترغب في أن تكون امتدادًا لعمالقة التلاوة في مصر وغيرهم من رحمهم الله، فإننا نبحث عن الصوت الرائق الذي ينقل رسالة القرآن بوضوح وروح، ويساهم في نشر رسالة مصر كدولة القرآن”.
عُرس قرآني
في السياق ذاته أشاد د. ياسر مغاوري، إمام وخطيب جامع عمرو بن العاص، بانطلاق فعاليات المسابقة التي تُعد أضخم مسابقة قرآنية تلفزيونية في تاريخ مصر، مؤكدًا أنها تمثل حدثًا قرآنيًا استثنائيًا يعيد للمدرسة المصرية الأصيلة في التلاوة مجدها وريادتها.
قال: “إن هذه المسابقة ليست مجرد منافسة على الجوائز، بل هي عُرس قرآني بهيج، يتسابق فيه القراء من مختلف محافظات الجمهورية، لتتلاقى الأصوات الحسنة من الشمال والجنوب، والشرق والغرب، تحت راية كتاب الله، فيذوب الفارق بين الجميع، ويكون القرآن هو الرابط والروح والنور الجامع”.
أضاف: المسابقة تمثل امتدادًا لمسيرة عمالقة التلاوة الذين أضاءوا سماء الدنيا بأصواتهم الخاشعة، والذين خلّدوا لمصر ريادتها في هذا الميدان.
واختتم “مغاوري” مؤكداً أن الدولة المصرية تضرب أروع الأمثلة في رعاية أهل القرآن ودعم الموهوبين من الشباب، موجّهًا الشكر إلى القيادة السياسية والدكتور أسامة الأزهري على رعايتهم الكريمة لهذه المسابقة، التي تبشر بظهور جيل جديد من القراء المتميّزين، ليحملوا راية المدرسة المصرية في التلاوة إلى آفاق جديدة.
الهُوية المصرية
من جانبه قال د. مصطفى عبدالسلام- إمام وخطيب جامع عمرو بن العاص- إن احتضان أعرق المساجد المصرية لهذه الفعالية الكبرى يجسّد مكانة مصر الريادية في خدمة القرآن الكريم ونشر رسالته.
أضاف: المسابقة تُعد أضخم مسابقة قرآنية تلفزيونية في تاريخ مصر، حيث تشهد مشاركة واسعة من المواهب القرآنية من مختلف الأعمار، صغارا وكبارا، بما يبرهن على أن حب كتاب الله مغروس في وجدان المصريين جيلاً بعد جيل.
تابع: الدور الذي يقوم به الإعلام المصري في تنظيم ونقل هذه الفعالية يعكس حرص الدولة على استعادة الهوية المصرية الأصيلة في فن التلاوة، والحفاظ عليها لتبقى مصر منارة التلاوة في العالم الإسلامي، موضحًا أن القرآن نزل في مكة وقرأ في مصر، وهو ما يعكس أصالة المدرسة المصرية التي أنجبت عمالقة التلاوة عبر التاريخ.