الأمم المتحدة: 71 ألف طفل على شفا الموت.. جوعا
صحيفة إسرائيلية: خطة نتنياهو لـ”تجويع غزة”
حسام وهب الله
“هناك مجاعة في غزّة ودولة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو مسؤولة عنها”.. هكذا سطَّرت صحيفة هآرتس العبرية مقالها الافتتاحي في مفاجأة جعلتها محطّ نقد وسهام الحكومة الإسرائيلية التي اتّهمت الصحيفة بأنها تُعرقل خطط اسرائيل لإعادة الأَسْرَى اليهود لدى المقاومة الفلسطينية.
وبعيدا عن الاتهامات المتبادَلة فقد كشفت هآرتس، عبر افتتاحيتها، أن خطة نتنياهو لتجويع أهل غزة موضوعة منذ زمن طويل، وتحديدا منذ بدء التفكير الإسرائيلي في الردّ على عملية “طوفان الأقصى”، مشيرة إلى محاولات اسرائيل تجميل نفسها أمام العالم والسماح بدخول شاحنات الطعام لا يغفر لها، فما معنى دخول 71 شاحنة في اليوم في وقت يحتاج القطاع لما يقارب 400 شاحنة؟!
وافي الوقت الذي يحاول المتحدثون باسم الحكومة والجيش الإسرائيلي طمس حقيقة تجويع أهل غزة، تأتي البيانات الرسمية التي تنشرها إسرائيل لتُظهر وجود جوع في قطاع غزة. ووفقًا للبيانات التي نشرها الجيش الإسرائيلي، دخل ما معدّله 71 شاحنة طعام إلى القطاع يوميًا خلال الشهر الماضي. هذا يعني أن كل شاحنة طعام من المفترض أن تكفي لإطعام 30 ألف شخص يوميًا. لستَ بحاجة إلى فهمٍ لقواعد الغذاء أو النقل أو قوانين الحرب لتعرف أن هذا هو الجوع بعينه.
عنصرية ولا إنسانية!
وفي سابقة هي الأولى منذ بدء الحرب، أعلنت الأمم المتحدة رسمياً المجاعة في قطاع غزة، مؤكّدة أن نصف مليون شخص يواجهون خطر الجوع “الكارثي”. ويأتي هذا الإعلان بعد شهور من التحذيرات المتصاعِدة من منظّمات الإغاثة والخبراء بشأن التدهوّر الحاد في الأوضاع الإنسانية داخل القطاع.
ووفقًا للأمم المتحدة فقد وزَّعت المنظّمات الإغاثية، 85 مليون وجبة منذ بدء عملها قبل نحو شهرين. ومع ذلك، يُظهر حساب بسيط أن سكّان غزّة احتاجوا خلال تلك الفترة إلى 353 مليون وجبة على أقل تقدير لتجنّب المجاعة، كل هذا قبل الأخذ في الاعتبار مشكلة توزيع الغذاء وإيصاله إلى الفئات الأضعف والأكثر احتياجًا، وعدم القُدرة على استخلاص القيمة الغذائية منه بدون غاز الطهي وفي ظلّ ظروف العدوان العسكري الإسرائيلي المستمر.
إن المجاعة خطوة أخرى تكشف عُنصرية وإجرام الحكومة التي تحْكم اسرائيل وأن حكومة نتنياهو ارتكبت- ومازالت- جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. وهذا أيضًا انتهاكٌ واضحٌ للأوامر الصادرة قبل عامٍ ونصف عن محكمة العدل الدولية في لاهاي.
نتنياهو يتحمَّل المسؤولية
وتقع مسؤولية تجويع سكّان قطاع غزة على عاتق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما تقع المسؤولية أيضًا على عاتق رئيس الأركان، إيال زامير، الذي ينفّذ ويُصدر أوامر غير قانونية. يجب على “زامير” أن يطالب الحكومة بالسماح لجيش الدفاع الإسرائيلي بفتح جميع المعابر الحدودية دون تأخير، للسماح بدخول حُرٍّ وغير مقيّد للغذاء والدواء ومعدّات الإغاثة والفِرق الطبية لوقف انتشار المجاعة. يجب عليه أيضًا أن يأمر جيش الدفاع الإسرائيلي بالتعاون مع الأمم المتحدة ومنظّمات الإغاثة الأخرى حتى يتمكّنوا من إيصال الغذاء والمساعدات بسرعة وأمان إلى سكان قطاع غزة. كل يوم تأخير في اتخاذ هذا القرار يعني موت المزيد من الأطفال جوعًا.
شهداء الجوع
وقالت وزارة الصحة في القطاع الفلسطيني: إن عدد شهداء سوء التغذية ارتفع إلى 289 شهيدا. ومن جانب آخر أعلنت عائلات الأسرى الإسرائيليين بدء أسبوع من التصعيد الاحتجاجي، واستعدادا لما سمَّته بيوم التضامن، اليوم الثلاثاء 26 أغسطس .
وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم منظّمة الصحة العالمية “كريستيان ليندماير”: إن الوقت قد حان لكي تستيقظ الحكومات والسياسيون في العالم للتصدّي للكارثة في غزّة.
الأمم المتحدّة تندِّد!
وأضاف ليندماير: الوضع في القطاع الفلسطيني تجاوز حدّ المجاعة، مؤكّدا أن إنهاء مأساة غزّة رهْن بوجود إرادة سياسية لفتح المعابر أمام المساعدات.
وتقول التقارير الواردة من قطاع غزّة: إن قرابة 71 ألف طفل يواجهون خطر الموت جوعا، ويتطلّب إنقاذهم إيصال علاج سريع لمواجهة سوء التغذية الذي بات “السحنة” الوحيدة التي تحتضنها أجساد أطفال غزة بعد أن أصبحت خرائط للجوع، وباتت الضلوع الضاوية والعظام البالية، والأرواح التي كادت تبلغ الحلاقيم، أبرز الصور القادمة يوميا من أرجاء غزة.
اليونسيف تحذر
ووفق اليونيسيف فإن 470 ألف شخص في غزة يواجهون جوعا كارثيا (المرحلة 5 وفق التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي)، كما يؤكّد البرنامج الدولي أن 71 ألف طفل غزّي يحتاجون وبشكل عاجل جدا إلى علاج لمواجهة سوء التغذية، رِفْقة قرابة 17 ألف أم يواجهن نفس المصير الكالِح.
وليس هذا الجزء المشار إليه بالوضعية الكارثية، إلا قمّة جبل الموت في غزّة، حيث يحيط الجوع أو–التجويع على الأصح- بكل سكان غزة، ويواجهون عجزا كارثيا عن الوصول إلى الغذاء.
وترفع اليونيسيف صوت النذير العريان لتؤكّد “أنَّ العمليات العسكرية المتجدّدة، والحصار الشامل الجاري، والنقص الحيوي للإمدادات المطلوبة للبقاء قد تدفع مستويات انعدام الأمن الغذائي، وسوء التغذية الشديد، والوفيات إلى ما يتجاوز عتبة المجاعة خلال الأشهر المُقبلة”.
الإعلام العالمي يشجب!
تفاعُل الإعلام العربي والعالمي مع مأساة الجوع في قطاع غزة كان سببًا في تحريك المياه الراكدة في هذه المأساة حيث نشرت صحيفة الجارديان البريطانية شهادة للجرّاح المتطوّع في مستشفى ناصر جنوب غزة “نيك ماينارد”، الذي تحدّث عمّا سمّاه “التجويع المتعمَّد” في القطاع، في مقال بعنوان “أشهد تجويعاً متعمَّداً لأطفال غزة، لماذا يسمح العالم بحدوث ذلك؟”.
ويصوّر الطبيب حجم المأساة الإنسانية من داخل المستشفى: “مراهقون يعانون سوء التغذية، ورُضَّع أصبحوا جِلداً وعَظْماً، وجراحات تفشل ليس بسبب حدّة الإصابة بل لأن المصابَ يعاني من سوء تغذية شديد يمنعه من النجاة من العمليات”.
ويشير الطبيب إلى وفاة أربعة أطفال رُضَّع خلال الأسابيع الماضية بالمستشفى الذي يعمل فيه، بسبب الجوع، مُعتبراً أنّ “التجويع يُستخدم كسلاح ضد شعب بأكمله بشكل متعمَّد”.
ويقول الطبيب: “لا يوجد ما يكفي من الطعام في غزة. ولا نملك حليب أطفال تقريباً، وغالباً ما تعاني أمّهاتهم من سوء التغذية الشديد الذي يمنعهن من الرضاعة الطبيعية. وعندما حاول زميل دوليّ إدخال حليب أطفال، صادرته السُلطات الإسرائيلية”.





























