د. كرم بهنسي: حث أولادنا على السلوكيات المستقيمة والابتعاد عن السيئة
د. إبراهيم محمد: على المؤسسات الإعلامية والثقافية تقديم محتوى يعكس قيم المجتمع
د. هاني محمد: المواجهة تبدأ من الوعي وتنتهي بإرادة جماعية لصون الهوية
تحقيق: سمر هشام
أثارت حفلات الساحل جدلًا كبيرًا في الأوساط المجتمعية والدينية، بعدما تحولت من مجرد أنشطة ترفيهية إلى ظاهرة تحمل في طياتها الكثير من التجاوزات السلوكية التي لا تتماشى مع قيم المجتمع المصري والعربي؛ من ملابس فاضحة، ورقصات جريئة، وتصرفات خارجة عن المألوف، باتت تُعرض على الملأ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما أثار موجة من الانتقادات حول مدى تأثير هذه المشاهد على الذوق العام، وتداعياتها على الشباب والنشء.
وحذر علماء الدين والتربية وخبراء الاجتماع من تأثير هذه المظاهر على الشباب والنشء، مؤكدين أن مسئولية المواجهة تبدأ من الوعي وتقع على عاتق الأسرة والمؤسسات التربوية والثقافية، في معركة لا تهدف إلى الانغلاق، بل إلى حماية وصون الهوية من التفكك تحت مسميات الحرية والاختلاف.
سلوك فاسد
ويقول د. كرم بهنسي، من علماء الأزهر الشريف، إن “الإسلام جاء لتحقيق مصالح العباد في الحال والمال، وفي جميع الأحوال، في العقيدة والعبادة والمعاملات، والعادات والقِيَم والأخلاق، والارتباطات الاجتماعية والعلاقات الإنسانية؛ مما يُنظِّم حياةَ الإنسانِ كلها في الدنيا والآخرة”.
ويشير د. بهنسي، إلى أن العادات والتقاليد والسلوكيات الاجتماعية تلعب دورًا أساسيًا في بناء المجتمع وتقدّمه وازدهاره، وأن هذه السلوكيات الحميدة والعادات الطيبة تعمل على إقامة علاقات إيجابية وبنّاءة بين كل أفراد المجتمع، وإذا غابت الحميدة وظهرت السيئة في المجتمع فإن ذلك يُسهم في تراجعه وتراجع مستوى العلاقات الجيدة بين أفراده، وتندثر القيم والموروثات التي ورثناها عن الآباء والأجداد.
ويؤكد أن لكل مجموعة إنسانية عادات تتكوّن مع مرور الأيام وتتطوّر لتصبح جزءًا لا يتجزأ من هذا المجتمع، ونحن نعيش في مجتمع عربي مسلم له عاداته وتقاليده التي يُحافظ عليها والتي ما زالت موجودة إلى يومنا هذا مثل: الاحتشام في الملبس، واحترام الآخر، وعدم تقبيل المرأة الأجنبية التي لا تحل له.
ويضيف: لقد رأينا في بلادنا ومجتمعنا العربي المسلم بعض هذه الأمور التي تهدف إلى الانحلال الأخلاقي الذي أصبح ظاهرة خطيرة جدًا قد تُلقي بظلالها على مجتمعنا بقصد هدم الثوابت والقيم والعادات والتقاليد التي تربينا عليها، وما أن يقصد الإنسان منتجعًا من المنتجعات الساحلية الشمالية وغيرها، للاستجمام والراحة وقضاء عطلة الصيف، إلا أنه يجد فيها كمًّا من الحفلات التي امتلأت بالمطربين والمطربات، بعضهم غير منضبط السلوك، لتشاهد فيها جميع مشاهد الانحلال والفساد الأخلاقي.
ويحذّر من استحواذ هؤلاء غير المنضبطين على عقول الشباب بملابسهم وقصات شعرهم، فترى الواحد منهم وهو رجل يلبس ملابس النساء ويقلدهن دون حياء أو خوف من الله، وهذا فعل وسلوك ينبذه المجتمع، ونهى عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: “لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال”، وقال: “من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة”.
وينهي د. بهنسي حديثه مؤكدًا أن الشرع المطهّر ينبذ كل سلوك فاسد مخالف للعادات والتقاليد والشرع، ورحم الله الإمام الشاطبي حين قال: “والعوائد لو لم تُعتبر لأدَّى بالناس إلى تكليف ما لا يُطاق، وقد قالوا: الإنسان صانع العادات والأعراف وصنيعتها”. ونحث أولادنا على التمسك بالسلوكيات المستقيمة والابتعاد عن السيئة.
الثوابت الأخلاقية
ومن جانبه، يذكر د. إبراهيم محمد علي، أستاذ التربية بجامعة الأزهر، أنه في ظل التطورات السريعة التي يشهدها العالم، والانفتاح الكبير على الثقافات المختلفة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، يزداد التحدي أمام مجتمعاتنا الشرقية للحفاظ على ثوابتها الأخلاقية والتربوية، مشيرًا إلى أن الملابس غير اللائقة لبعض المشاهير، أو الأفعال التي تتنافى مع قيمنا وتقاليدنا الأصيلة، أصبحت تنتشر بشكل ملحوظ، ما يستدعي وقفة جادة للتفكير في كيفية تحصين أنفسنا وأجيالنا القادمة من هذه التأثيرات السلبية.
ويوضح أن بعض مناطق الساحل الشمالي شهدت خلال السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا، حيث أصبحت وجهة سياحية وترفيهية رئيسية للكثيرين، ورغم التطور العمراني والخدمي الذي شهدته، إلا أنها أصبحت مسرحًا لبعض السلوكيات التي تتعارض بشكل واضح مع عادات وتقاليد وقيم المجتمع المصري المحافظ، وهذه الظواهر أثارت جدلًا واسعًا حول حدود الحرية الشخصية والحفاظ على الهوية الثقافية.
ويشير إلى أن من أبرز هذه السلوكيات اللباس غير اللائق والأفعال التي تتنافى مع الذوق العام والطابع الشرقي، والتي تتعارض مع قيم الحشمة والاحترام المتعارف عليها في مجتمعنا، حيث أصبح ارتداء بعض المشاهير لملابس تتنافى مع القيم والتقاليد المجتمعية ظاهرة بارزة في عصرنا الحالي، وتثير جدلًا واسعًا حول تأثيرها على الأجيال الشابة وتغيير المفاهيم السائدة عن اللياقة والحشمة.
ويوضح، أنه في ظل الانفتاح الإعلامي الكبير، وسهولة وصول الصور والفيديوهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بات المشاهير نماذج يُحتذى بها من قبل قطاع عريض من الشباب والمراهقين، وعندما يقدمون أنفسهم بملابس تكشف الكثير أو تكون جريئة بشكل مبالغ فيه، فإن ذلك يبعث برسالة ضمنية مفادها أن هذا اللباس مرغوب فيه، ما قد يؤدي إلى تآكل تدريجي للقيم الأخلاقية والجمالية المتعارف عليها في المجتمع.
ويؤكد أن هذا التأثير لا يقتصر فقط على الجانب الجمالي أو المتعلق بالحشمة، بل يمتد ليشمل مفاهيم أعمق تتعلق بالاحترام والتقدير الذاتي، ففي مجتمعاتنا الشرقية، تعد الملابس جزءًا من الهوية الثقافية والدينية، وتعكس جوانب من الشخصية والتربية، وعندما تُعرض أزياء أو أفعال لا تتوافق مع هذه المعايير، فإنها قد تسهم في خلق حالة من الارتباك لدى الشباب حول ما هو صحيح ومقبول، وتدفعهم نحو تقليد هذه المظاهر دون وعي كافٍ بعواقبها الاجتماعية أو تأثيرها على نظرة المجتمع لهم.
ويقول: إنه في ظل الانفتاح على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، يتطلب ذلك أن تكون المحافظة على الثوابت الأخلاقية والتربوية نهجًا متكاملًا يبدأ من الأسرة كخط دفاع أول، فهي الحصن الأول والركيزة الأساسية لغرس القيم والمبادئ الأخلاقية في نفوس الأبناء، حيث يجب على الوالدين غرس القيم الحميدة، وتعزيز مفاهيم الحشمة والآداب العامة، كما ينبغي عليهم مراقبة المحتوى الذي يتعرض له أبناؤهم عبر الإنترنت والتلفاز، وتوجيههم نحو الاختيارات السليمة التي تتناسب مع هويتهم الثقافية والدينية.
ويختتم حديثه مطالبًا المؤسسات الإعلامية والثقافية بتقديم محتوى إيجابي وهادف يعكس قيم المجتمع العربي المسلم، ويبرز النماذج السلوكية البناءة، بدلًا من الترويج لمظاهر قد تسيء للذوق العام وتتجاوز الخطوط الحمراء المتعارف عليها.
الوعي وصون الهوية
وبدوره، يقول أستاذ علم الاجتماع ووكيل كلية الآداب بجامعة السويس، الدكتور هاني محمد بهاء، إن في كل صيف تطلّ علينا ما يُعرف بـ”حفلات الساحل”، وكأنها عالم موازٍ يعيش خارج الزمن والمكان، تتكسّر فيه كل القيم، وتُعلّق فيه القواعد الاجتماعية، ويُقدَّم فيه كل ما يناقض ما تربينا عليه من أخلاق وعادات، وأصبح الساحل ساحة استعراضية لممارسات لا تشبه المصريين في شيء، وعالم يتنصل من الضوابط الأخلاقية والاجتماعية، ويُروّج لثقافة الصدمة والتجاوز بدعوى الترفيه والحرية.
ويضيف أن ما نراه في هذه الحفلات من سلوكيات غريبة، وملابس فاضحة لا تراعي الذوق العام، والمبالغة في التصرفات الجريئة أمام الكاميرات بلا خجل، مثل الرقص المستفز، والقبلات العلنية، واستعراض العلاقات بشكل صادم ومفتعل ليس مجرد لهو أو “انبساط”، بل هو انعكاس لتحوّل خطير في مفاهيم الناس عن الحرية والتقدم، حيث تُفهم الحرية وكأنها تمرد على القيم، ويُختزل التمدن في نزع الحياء، وأصبح “العادي” مملًا، بينما يُنظر إلى “الصادم” باعتباره السبيل الوحيد والأسرع للفت الانتباه.
ويحذر من هذه التصرفات لأنها لا تقتصر على المشاركين، بل تُعرض على مواقع التواصل الاجتماعي وكأنها تمثل نمط حياة المصريين، في حين أنها لا تعبر عن الغالبية، بل تُسوّق لصورة مشوّهة من الواقع تُكرّس نمطًا ثقافيًا دخيلًا.
ويشير إلى أن هذه المظاهر تُحدث ما يشبه “العدوى الاجتماعية”، فتؤثر في المراهقين والشباب، وتغرس فيهم تصورًا زائفًا بأن الشهرة والتميّز لا يأتيان إلا من خلال كسر الأعراف وخرق المألوف، حتى لو كان ذلك على حساب القيم والثوابت. وما يدعو للأسف أن بعض المؤسسات الثقافية والإعلامية تتعامل مع هذه الظواهر إما بالتجاهل أو بالتشجيع غير المباشر، مما يكشف عن خلل في الدور التربوي المنوط بها، وهو الدور الذي يُفترض أن يُحصّن الذوق العام لا أن يساهم في تفككه.
ويرى أنه لحماية مجتمعنا يجب أن تستعيد الأسرة دورها التربوي، ويتصدى الإعلام لفوضى القيم عبر الرقابة الواعية وتعزيز النماذج الإيجابية، فالمواجهة تبدأ من الوعي وتنتهي بإرادة جماعية لصون الهوية.
ويطالب بضرورة الدفاع عن قيمنا وتقاليدنا، فهذا لا يعني الانغلاق أو رفض التجديد، بل هو تمسّك بالهوية في مواجهة نمط استهلاكي غربي يحاول فرض نفسه تحت شعارات “التحرر” و”الاختلاف”، فالمجتمع المصري، المعروف بتدينه الفطري وحيائه، لا يمكن أن يُختزل في هذه الصور المشوّهة، فالقيم لا تتغير بتغير الموضات، بل تُصان عبر التربية والوعي والمسؤولية الجماعية.