د. فتحية الحنفى: حرام بالقرآن والسنَّة والإجماع
د. شيرين معوض: ادّعاؤه يُخْرِج من المِلَّة
تحقيق: مروة غانم
يبدو أننا كل أسبوع على موعد مع فتوى شاذة وغريبة يسعى صاحبها لتحقيق “التِرِنْد” وكسب أكبر عدد من اللايكات والتعليقات على حساب الدين وثوابته!
وفتوى “ترند” هذا الاسبوع أثارها أحد الجُهَّال ومدَّعى العِلْم ممن يريدون الطعن فى الثوابت وإفساد المجتمع .
حيث صرّح أحد الدّعاة- الذى لا يُعرف اسمه ولا لأى جهة ينتمى!- بأن الإسلام لم يحرِّم الخمر ولا يوجد نصّ قرآنى يحرّمها!
ولم يكتف بذلك بل راح يدّعى زورًا وبهتانًا (أنه لا عقوبة فى الشريعة الاسلامية لشارب الخمر)! ولم يتوقّف عند هذا الحدّ بل تقوَّل على رسول الله كَذِبًا مدَّعيًا أنه كان لديه جارية تحضر له “النبيذ”! وهذا ما انتفض لأجله علماء الدين، مؤكّدين أن هذه الفتوى صدرت من شخص ضال ومُضِلّل لا هدف من ورائه سوى الطعن فى ثوابت الدين وما هو معلوم منه بالضرورة، مُطالبين بتوقيع أقصى العقوبة عليه ليكون عِبرة لغيره ولا يتحدث فى أمور الدين إلا من هو عالِم بها.
فأكدت د. فتحية الحنفى- أستاذ الفقه بجامعة الأزهر بالقاهرة- أن هذا الشخص لا يفقه شيئا فى التشريع الاسلامى ولم يشم رائحته ولا خصائصه وبعيد كل البُعد عن اللغة العربية والتدرُّج فى تحريم الخمر، مشدّدة على أن تحريم الخمر ثابت بأدلّة من القرآن الكريم وسنَّة النبى وإجماع الأمّة، فقد روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى قال: “كل مسْكر خمر وكل مسْكر حرام” وقال: “قد نزل تحريم الخمر وهى من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنْطة والشعير، والخمر ما خامر العقل”.
داء خبيث

ولفتت د. فتحية الحنفى، الى أن العرب فى الجاهلية كانت تُدْمِن تعاطيها حيث تغلغلت فى نفوسهم واستولى حبُّها على القلوب ولم يكن الأمر يسيرا عليهم أن يتخلّوا عن شُربها مرّة واحدة ومن ثمّ سلك القرآن الكريم فى تحريمها منهج التدرُّج من مرحلة الى أخرى حتى وصل للحكم الحاسم الذى ينقذهم من شرب الخمر وبلائها .
أوضحت أن القرآن بيَّن أن من ثمرات النخيل والأعناب ما يُتَّخذُ سَكَرًا ومنه ما يُتَّخذُ رزقًا حسنًا، وفى هذا تلميح الى أن الخمر وهى السُكْر ليست رزقًا حسنا وليست أمرا طيّبا ولا محمودا، ثم كانت المرحلة الثانية وكانت إجابة عن سؤال وُجِّه الى النبى عن الخمر وغيرها من المنْكرات التى كانت متفشّية فى العرب؟ فقال تعالى: ” يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ ” (219: البقرة)، ثم جاءت المرحلة الثالثة التى دَعَت الى التحريم الجزئي للخمر وهو عدم قُرب الصلاة فى حالة السُكر فقال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ” (43 النساء)، فكان هذا التحريم الجزئي وهو عدم الشرب قبل الصلاة خمس أوقات فى اليوم والليلة تمهيدا لتحريم الخمر فهو داء خبيث يفسد العقل الذى ميّز به اللهُ الإنسانَ دون سائر المخلوقات، فقال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (المائدة: 90) وهنا استجاب المؤمنون لأمر الله وأراقوا كل ما لديهم من خمر فى الشوارع لأن هؤلاء تمكَّن الإيمان من قلوبهم فاستجابوا لأمر الله .
الجَلْدُ أربعين
وشدّدت على أن عقوبة شارب الخمر موجودة فى الشريعة الاسلامية وأكدها النبى حيث ورد عن أنس بن مالك قوله: “كان النبى يضرب فى الخمر بالجريد والنعال أربعين”، كما ورد فى السيرة أن النبى جَلَد شارب الخمر أربعين جلدة، وجَلَد أبو بكر أربعين وجَلَد عمر ثمانين. لأنه إذا شرب سَكِر وإذا سَكِر هذِىَ وإذا هذى افترى وحدُّ الافتراء ثمانون. وروى أن عمر جَلَد شيخا شرب الخمر فى رمضان ثمانين جلْدة ونفاه الى الشام. فشارب الخمر ومن يتعاطى كل ما يُذْهِب العقل ويجعل صاحبه يرتكب أبشع الجرائم ومنها الاعتداء على المحارم فلابد أن تكون العقوبة أشدّ للردع والزَجْرِ .
معنى النبيذ
أشارت د. الحنفى، الى أن المقصود بالنبيذ هو وضع التمر والزبيب فى ماء حتى يصير الماء حلوًا وهذا لا شيء فيه، ولكن لو تُرِك فترة وتغيّر طعمه لا يُشْرَب لانه صار مُسْكِرًا، وقد ورد ان النبى كانت تنبذ له جارية حبشية الزبيب فى الليلة وتغطّيه وتشرب منه فى الصباح اذا لم يتغيّر طعمه. لكن ادّعاء هذا الشخص خاطىء لأن المراد من الانتباذ نقع أى شيء وشربه طالما لم يتغيّر طعمه.
تحريف الشرع
وافقتها الرأى د. شيرين معوّض- مدرس الفقه بجامعة الأزهر بالقاهرة- مؤكّدة أن هذا الادّعاء غير صحيح على الإطلاق وفيه تحريف للشرع الحنيف، فالخمر محرّم فى الإسلام تحريمًا قاطعا بالقرآن والسنَّة والإجماع.
أضافت: هناك عقوبة محدَّدة لشارب الخمر وهى ليست مجرّد نهى معنوى فقد وَرَدَ عن النبى أنه جلد شارب الخمر أربعين جلدة. أما الادّعاء بأن النبى كان له جارية تُحْضِر له الخمر، فهذا كذب وافتراء على رسول الله، ولم يرد فى أى مصدر صحيح أن النبى شرب الخمر أو طلبها، بل أنه قبل البعثة كان معصوما من الفواحش وشُرْب الخمر حيث ورد عن أنس أن النبى ما شرب الخمر قط.
فالخمر كانت موجودة فى الجزيرة قبل الاسلام وبعض الصحابة شربوها قبل نزول التحريم لكن بعد نزول التحريم كُسِرَت أوانى الخمر وأُريقت فى طُرقات المدينة ولم يثبت أن النبى طلبها أو أقرّ وجودها فى بيته .
أوضحت أن من يفترى على الله ورسوله بهذا الكلام، حُكمه يختلف بحسب حاله، فإن كان جاهلا أو مقلِّدا لمن خدعه فهذا آثم لأنه تكلّم بغير علم فى دين الله لقوله تعالى: “وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون”.
أما إن كان يعلم الحق ويتعمّد إنكاره أو الطعن فى القرآن أو النبى، فهذا من الكُفر الأكبر لأنه تكذيب صريح للقرآن والسنّة وإجماع المسلمين لقوله تعالى: ” قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ” (69 سورة يونس)
وشدَّدت على أن الادّعاء بشرب النبى للخمر فهو افتراء خطير يُخْرِجُ صاحبَه من الاسلام إن كان قاصدًا للتكذيب والطعن. أما من يقول بهذا الكلام عنادًا وطعنًا فى الاسلام فهو على خطر عظيم من الكُفْر والرِّدَّة.





























