الصدمات لا تُعلِن عن نفسها بصوت مرتفع دائمًا، أحيانًا تحدث في هدوء، وتترك خلْفها فراغًا لا يراه أحد. قد يظن البعض أن الصدمة مرتبطة فقط بالمصائب الكبرى، لكن الحقيقة أنها قد تتشكّل من كلمة قاسية، نظرة استخفاف، أو لحظة شعور بالعجز.
جذور الصدمات: الصدمات لا تأتي من الخارج فقط، بل تنبت أحيانًا في أقرب البيوت إلينا. قد تكون في طفولة بلا احتواء، في علاقة قامت على الإهمال أو الخيانة، أو في أحداث مباغتة كسقوط حلم كنّا نظنّه ثابتًا. وهناك صدمات أخرى تتراكم ببطء، تتسرَّب إلى الداخل عبر مواقف صغيرة متكرّرة، حتى تصبح ثقلًا يصعب تفسيره.
أثرها العميق: في الجسد: أَرَقٌ متواصل، صداع غامض، تعب بلا سبب واضح.
في العاطفة: خوف يسكن المواقف الجديدة، قلق دائم من الفَقْدِ، وعدم ثقة بالآخرين.
في العلاقات: انسحاب من الناس، أو تمسّك مبالَغ فيه بمن يمنح لحظة أمان.
في التفكير: عينٌ لا ترى إلا الجانب السلبي، وعقل يعيش في حالة استعداد للخطر.
الأثر الممتد عبر الزمن، الصدمة قد تُغيِّر مسار حياة كاملة؛ شخص يخشى المحاولة حتى لا يتكرّر الفشل، آخر لا يثق بأحد لأنه خُذِل مرّة، وثالث يختبئ خلف ابتسامة صامتة ليخفي جرحه. بعض هذه الجروح يتحوّل إلى اضطرابات واضحة، وبعضها يبقى في الظلّ، لكنه يوجِّه سلوكنا دون أن نشعر.
الوجه الآخر: ورغم قسوتها، قد تكون الصدمات معبرًا إلى وعي جديد. هناك من ينهض بعدها أكثر وعيًّا بقيمته، أشدّ حرصًا على حدوده، وأعمق تقديرًا للحياة. يُسمّى هذا بـ”النمو ما بعد الصَدْمَة”، حين يصبح الألم وقودًا لإعادة التشكيل لا للهدْم فقط.
في النهاية، الصدمات ليست عيبًا فينا، وليست علامة ضعف، بل تجربة إنسانية يشترك فيها الجميع بدرجات مختلفة. تجاهلها يزيدها صمْتًا، والاعتراف بها يفتح بابًا للتعافِي. وبين الألم والوعي، يكمن الطريق نحو حياة أكثر اتزانًا.





























