بقلم: جهاد شوقي السيد
في ظل عصر “الترندات” و”التيك توكرز” و”الإنفلونسرز”، وظهور أمثلة من الشباب غير الكُفء كقدوة يُحتذى بها، انهارت القيم الأسرية وظهر ما يُسمّى بالصراع بين الرجل والمرأة، بين الزوج والزوجة: من عليه أن يُنفق في ظل نزول المرأة إلى سوق العمل؟ هل عليها أن تُنفق كما نادى بعض ذكور هذا العصر، متحججين بأن “هذا الوقت مقتطع من وقت البيت”؟!
فعليها أن تتحمل مسؤولية الإنفاق كعمود أساسي في البيت، وليس فقط كمساعدة منها الي زوجها الذي اتعبته طاحونه المصاريف، وكتشجيع “بأنك لست وحدك أنا بجانبك حتي تنهض أسرتهم الصغيرة”، بالواجب عليها حتي وان لم تريد النزول إلى سوق العمل وأن تصبح ربه منزل، فهنا تغير اسمها إلى “عالة” على زوجها!!.
والغريب أن هذه الشعارات الممنهجة ينادي بها أشخاص أفرزتهم وسائل التواصل الاجتماعي، يُطلَق عليهم “إنفلونسرز”، وهم في الحقيقة غير مؤهلين لمخاطبة عامة الشعب، بل يفرضون آراءهم الشخصية – وأحيانًا السوقية – على الأسر المصرية، دافعين بها إلى صراع مفتعل بين الرجل والمرأة حول الحقوق والواجبات، متناسين أن الله سبحانه وتعالى قد أوضح في كتابه الكريم واجبات وحقوق كل طرف تجاه الآخر.
فأين هؤلاء من القرآن الكريم؟ إنهم لم يقرأوا منه حرفًا، ولو فعلوا لما غرقوا في هذه الجدليات العقيمة حول دور المرأة، سواء كانت عاملة أو ربة منزل، لكنهم مساقون من قِبَل قوى أكبر تهدف إلى تفكيك الأسس الأسرية المتعارف عليها منذ قديم الأزل.
لم نجد نموذجًا واحدًا يحتكم إلى القرآن والسنة في حل هذه المنافسة بين “من يُنفق” و”من يقوم على الأسرة”. لقد أصبحنا في عصر اضمحلال القيم الأسرية وعصر التفاهات، حيث يُساق الرأي العام كما تُساق القطعان نحو الهاوية، ويُصبح ما يُسمّى بالإنفلونسرز مجرد أدوات لتحقيق “الترند” عبر أفكار غريبة عن مجتمعنا، وجميعهم يجتمعون حول هدف واحد، وكأن هناك “سيناريو” يُوزّع عليهم ليبثّوا الأفكار نفسها في وقت واحد، بما يؤكد أنهم مسيّرون من منظومة أكبر تهدف لهدم الأسرة من جذورها.
وقد شاهدنا بعض هؤلاء “المؤثرين” يظهرون في برامج تلفزيونية يهاجمون النساء، ويطرحون تساؤلات سطحية من نوع: لماذا أنفق عليها؟ ما المقابل؟ لماذا تنفق هي على الكماليات كالملابس والإكسسوارات، بينما أنفق أنا على الأساسيات؟!.
وهكذا تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة قتال بين مؤيد ومعارض، حتى وصل الأمر بالبعض إلى القول بفشل منظومة الزواج والدعوة إلى “المساكنة” كحل، بحيث ينفق كل فرد على نفسه! وهذا يدعو للحزن الشديد على القيم والأخلاق، بل وعلى مستقبل الأجيال القادمة إنهم يريدون شعبًا بلا دين ولا منهج، وأبناء بلا نسب ولا آباء وأمهات.
وكما قامت الداخلية بالقبض على بعض “التيك توكرز” في قضايا غسل أموال والإساءة إلى قيم الأسرة، فماذا عن هؤلاء الذين يدمّرون قيم المجتمع ويبثّون الأحقاد بين الزوج وزوجته؟! إنهم يدعون إلى أعراف لا تمتّ للدين ولا للشريعة ولا للقانون المصري بصلة.
وعلى الأزهر أن يقوم بدوره في توعية هذا الجيل، ليس عبر ندوات لا يحضرها أحد منهم، بل عبر منابر الإعلام الحديثة ووسائل التواصل نفسها. يجب أن يكون هناك من يتصدّى لهذه الأفكار، ويُرسّخ القواعد الصحيحة للمعاملة التي نص عليها القرآن الكريم، حتى لا نترك الباب مفتوحًا أمام السطحية والسوقية لهدم الأسرة المصرية، وخدمة أجندات تهدف إلى تفكيك الدين وأُسسه، والسيطرة على العقول والمجتمعات.