تحدّث القرآن الكريم عن سيناء العزيزة حديثًا يُبرز أهميتها ومكانتها الدينية والتاريخية، ويجعلنا نفكِّر مرّات ومرّات في ضرورة الاهتمام بها، وتنميتها، واستثمار مواردها، وإدراك مكانتها الدينية والتاريخية.
أقْسَمَ الحقُّ سبحانه بطُور سيناء: “وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ”، مُقدِّما القَسَم بالطور على ما سواه من الأمور الأخرى المُقْسِم بها مع ما لها من مكانة وقُدسية، بل إنه خصَّه بتسمية السورة كلّها باسمه “سورة الطور”.
ويقسِم به الحقّ سبحانه صراحة محدِّدًا ومخصِّصًا في سورة “التين”، حيث يقول سبحانه: “وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ”، مقدِّمًا القَسَم بطور سنين على القسم بالبلد الأمين مع ما لهذا البلد الأمين من قداسة ومكانة.
وأشار القرآن إلى بعض ما بسيناء من الخيرات والبركات، فيقول سبحانه: “وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ”، وفي شأن هذه الشجرة يقول نبينا: “كلوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ” (رواه الترمذي).
وفي سيناء البقعة المباركة حيث يقول سبحانه في ثنايا الحديث عن سيدنا موسى (عليه السلام): “فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ”، وبها الوادي المقدّس طُوى حيث يقول سبحانه في حديثه عن سيدنا موسى: “فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى”، ويقول: ” َلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى”.
وثَمَّة ملْمح بلاغي عظيم في حديث القرآن عن طور سيناء، يسمّيه البلاغيون “الاحتراس”، وهو تخليص الكلام من أي دَخَلٍ أو معنى غير مراد يمكن أن يتوجّه إليه، ومنه ما كان من سيّدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- حين مرَّ على قوم يوقدون نارًا فقال: السلام عليكم يا أهل الضوء، كراهية أن يقول يا أصحاب النار.
ومنه قوله تعالى: “وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ”، وقوله: “وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكرون”.
فقال: “وما كنت بجانب الغربي”، “وما كنت بجانب الطور”، مع أنه سبحانه قال في شأن سيدنا موسى: “فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ”، فعبَّر في مخاطبة نبينا الكريم بجانب الغربي أي غربي الجبل مرّة، وبجانب الطور على إطلاقه مرّة، دفعًا ومنعًا لنسبة وجوده- صلى الله عليه وسلم- إلى الجانب الأيمن بطريق النفي، فلم يقل وما كنت بالجانب الأيمن إكرامًا له من أن ينفي كونه بالجانب الأيمن ولو لفظًا.
ونؤكِّد أن سيناء هذه العُهدة الدينية والتاريخية التي رُويت بدماء آبائنا وأجدادنا على مرِّ التاريخ أمانة عظيمة في أعناقنا جميعا نفتديها بالنفس والنفيس.
ولابد أن نشيد بمواقف سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، الشجاعة الواضحة التي حسَمت الأمر بأن سيناء “خط أحمر” غير قابل للمساومة أو تهجير أحد إليها، وبدورنا نؤكِّد أننا نقف صفًّا واحدًا خلْف قيادتنا الحكيمة في الحفاظ على كل ذَرَّةِ رَمْلٍ من ثَرَى وطننا العزيز بصفة عامّة وسيناء بصفة خاصّة، وأننا مستعدّون للتضحية في سبيل ذلك بكلّ ما نملك.