الجلالة: مصطفى ياسين
اكد علماء الدين وخبراء السياسة والدبلوماسية والعمل الأهلي التطوعى، ضرورة ترسيخ الوعي العام لدى جميع أفراد المجتمع ليكون حائط صد وخط دفاع صلب في مواجهة الوعي المزيف والأفكار المتطرفة، خاصة في ظل حروب الجيل الجديد من نشر الشائعات وإثارة الفتن والبلبلة وزعزعة أمن واستقرار المجتمعات.
جاء ذلك خلال افتتاح اللقاء المُوسَّع الذي يعقده منتدى حوار الثقافات، بالهيئة القبطية الإنجيلية، برعاية د. أندريه زكى- رئيس الطائفة والهيئة الإنجيلية- خلال يومي الاثنين والثلاثاء- بعنوان “الوعي وركائز تحقيق التنمية المستدامة”، بحضور د. أسامة الأزهري- وزير الأوقاف- د. عبدالهادي القصبي– رئيس لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب، شيخ مشايخ الطرق الصوفية- بمدينة الجلالة، ونُخبة من المُفكِّرين، وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ، والقيادات الدينية، والإعلاميين، والأكاديميين، وممثِّلي منظّمات المجتمع المدني. وادارت الافتتاحية سميرة لوقا- رئيس قطاع الحوار بالهيئة.
قضية جوهرية
أكد د. القس أندريه زكي، أن قضية الوعي وركائز التنمية المستدامة قضية جوهرية لمستقبل أوطاننا وأجيالنا القادمة، وقد قدّم د. أسامة الازهرى، وزير الأوقاف، نموذجًا مهمًّا لرجل الدين الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين الجذور الراسخة والرؤية المتجددة، فكان دائمًا داعمًا لوحدة الوطن واستقراره. واصفاً حضوره هذا المنتدى تأكيد عملي على أن التنمية المستدامة لا تنفصل عن منظومة القيم والوعي والرسالة الروحية والدينية، وأن المؤسسات الدينية، بما تحمله من تأثير مجتمعي، شريكٌ رئيسٌ في بناء مستقبل أفضل لوطننا.
كما رحب بالنائب د. عبدالهادي القصبي، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن بمجلس النواب، والحائز علي الأغلبية البرلمانية، ونائب رئيس حزب مستقبل وطن، ورئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية. وهو يقدم نموذجًا مهمًّا في الجمع بين العمل البرلماني الفاعل، القائم على خدمة الوطن والمواطن، وبين الدور الديني والفكري الذي يجسّد قيم الوسطية والاعتدال والتسامح، فكان صوتًا داعمًا للحوار والبناء، وشريكًا أساسيًّا في ترسيخ السلام المجتمعي والوحدة الوطنية.
أوضح أن هذا اللقاء يتناول موضوعًا في غاية الأهمية، وهو عن العلاقة الواضحة بين الوعي والتنمية المستدامة. هذه العلاقة التي يمكن أن نصفها بأنها علاقة طردية من حيث المسار؛ فكلما ارتفع مستوى الوعي، ارتفعت قدرة المجتمع على تحقيق تنمية مستدامة والعكس صحيح. وهي أيضًا علاقة شَرْطيَّة من حيث الأصل؛ فبناء الوعي وتعزيزه شرطًا أساسيًّا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. لذلك فالعمل على تنمية الوعي ليس خيارًا فكريًّا أو نظريًّا، ولا هو عمل حصري لنخبة المجتمع والمفكرين والمثقفين، ولا هو حبيس الغرف والندوات المغلقة، بل هو عمل مجتمعي ميداني يجب أن يكون متفاعلًا مع كل شرائح المجتمع، وهو ضرورة وجودية لمستقبل أوطاننا وأجيالنا القادمة.
أضاف د. أندريه: وتبرز هنا أهمية المؤسسات الدينية باعتبارها الأقرب إلى وجدان الناس والأقدر على التأثير في قيمهم وسلوكياتهم، فهي شريك لا غنى عنه في مسيرة التنمية من خلال ثلاثة أدوار رئيسية:
- التعليم والتثقيف: ربط قيم الاستدامة بالقيم الدينية مثل العدل والرحمة وترشيد الموارد.
- الممارسة العملية: إطلاق مبادرات مجتمعية ومشروعات تنموية تعزز المشاركة والتطوع.
- بناء الشراكات: التعاون مع الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص لتعزيز الاستدامة.
وتوصي الورقة بالتركيز على التعليم للنشء، تشجيع البحث العلمي حول العلاقة بين الدين والتنمية، وتوظيف الإعلام لنشر خطاب ديني واعٍ يدعم المبادرات التنموية. فالوعي الديني ليس فقط شريكًا في التنمية، بل ضمانة لنجاحها واستمرارها من أجل مستقبل أفضل.
تجديد الخطاب الديني
وأشار د. أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، إلى أن هناك فارقا بين الكلام عن التجديد والكلام فيه، أما الكلام عنه فهو الغالب بين الناس، يقولون فيه أين التجديد، ونريد التجديد، وينبغي، ولابد، وينخرطون في حوارات مطولة عنه، وعن ضرورته، وأهميته، وافتقادنا له، والآثار السلبية لعدم وجوده، وهذا كله حديث عنه.
وتابع: الحديث عن التجديد يختلف عن الحديث فيه، وهذا صناعة معرفية ثقيلة وثمرته ليس على المدى القريب، وأنما يحتاج لفهم الواقع واستيعاب تحدياته وأزماته، ويحتاج التدريب تضمن تبحرا في العلوم.
وأضاف: إن قيم الانطلاق فهي التي تحرك المجتمعات للعمران والتمدن والتطور وبناء المؤسسات وصناعة الحضارة، وهذا من أعظم مقاصد الشريعة٫ وهذه القيم مثل: الهمة، الإبداع، الإتقان، الفكر، السعة، التطوير، الاستدامة، العمل، النجاح، الجمال الذي يحبه الله، التنافس، التجرد ونكران الذات، اكتشاف المواهب وبناء العقول، وتعظيم العلم، الابتكار، والترقي الدائم في كل شئ، والتعلق بصناعة القمم العليا في كل شئ، وصناعة الحضارة، وتعارف الحضارات.
بناء الأوطان
واستطرد د. الأزهري : بذلك تبنى الأوطان وتقوى، ويستقر عمرانها واقتصادها، وتستطيع المنافحة عن رؤيتها وكلمتها وقرارها، فأين أنتم منها أيها المسلمون، وأين أنتم منها أيها العلماء والفقهاء، وأين أنتم منها أيها الخطباء الدعاة، أليس هذا من صميم هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم، ألن يأتي يوم القيامة ليقول لنا لقد فرطتم في توصيل هديي وشرعي بكماله، فما الذي سنجيب به في موقف الحشر الأعظم، ونحن اليوم ما زلنا في فرصة الاستدراك والعمل.
الإتقان والإحسان
وأكمل د. الأزهري، أن الإحسان درجة أعلى من الإتقان، إنه قمة الإتقان وذروته، إن الإتقان هو فعل ما يجب كما ينبغي، وإن الإحسان هو الإتقان مع الحب، فإذا أتقن الإنسان إتقانا ممزوجا بالحب ولد الإحسان، إذ ربما يتقن وهو متضجر أو كاره أو يائس، فيوجد الإتقان المحدود الجزئي المظلم العقيم، إما إذا ما أحب ما يتقنه فإنه يتفنن فيه، ويبدع فيه، ويجود ويطور ويبدع ويزيد ويكمل فيه، فيوجد الإحسان الذي هو قمة الجبل الذي يسمى إتقانا.
الوعي الزائف
من جانبه أكد د. القصبي أن الوعي غير الرشيد يهدم البلاد والعباد، مشيرًا إلى أن الوعي الحقيقي هو الذي يحافظ على الأوطان ويعزز قيم البناء والتنمية، بينما يقابله وعي زائف يحاول استدعاء حياة غيرنا وتاريخ غيرنا، ويجعلنا نخضع لتجارب خارجية لا تتناسب مع حضارتنا وهويتنا.
وأوضح أن هذا الوعي الزائف يسعى إلى هدم الدول وتقسيمها وإشعال الفتن بين أبنائها، وتحويل طاقاتهم من قوة للبناء إلى معاول للهدم.
ولفت إلى أن مؤشرات التنمية في مصر قد تراجعت خلال فترات عصيبة سابقة، لكن الشعب المصري استطاع أن يصحح المسار بثورة 30 يونيو التي مثلت إرادة جماهيرية لإنقاذ الوطن وإعادة بنائه على أسس من الوعي الراسخ والتنمية المستدامة.
وناقشت الجلسات: التحديات الثقافية للتنمية المستدامة، بإشراف: د. عبدالمنعم سعيد– عضو مجلس الشيوخ- د. هويدا بركات– أستاذ علوم الإدارة والمدير الإقليمي للشراكات الاكاديمية الاستراتيجية (مصر والشرق الأوسط)، جامعة شرق لندن- د. أسامة النحاس– خبير التراث بمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم الثقافية (الايسيسكو)، زميل كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا- وإدارة د. نهي طلعت– عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان.
جلسات مستمرة
وتناقش صباح الثلاثاء جلسة: مصادر بناء الوعي.. الذكاء الاصطناعي والإبداع، من قِبل: د. هشام عزمي– رئيس الجهاز المصري للملكية الفكرية- م. حسام صالح– رئيس لجنة التكنولوجيا والتحوّل الرقمي في تحالف التنمية المستدامة بجامعة الدول العربية- وإدارة د. سمية الألفي– استشاري تنموي لحقوق الأسرة والطفل- وجلسة “تجارب وخبرات الشباب حول الوعي والتنمية المستدامة”، بإشراف: د. فاطمة عايد- رئيس مجلس إدارة جمعية بأيدينا نطوَّرها بأسيوط- د. جون جميل– مستشار خدمات المنظمة العالمية للحركة الكشفية “المبادرات الشبابية، الحماية والسلامة”. الشيخ صلاح منصور– إمام بأوقاف الإسكندرية- القس مراد عادل– راعي الكنيسة الإنجيلية بالقناطر بالقاهرة- د. ريهام خلف– واعظة بأوقاف المنيا- دميانة عادل– صانعة محتوي بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان- وإدارة د. يسري مصطفي- باحث واستشاري بناء القُدرات- ويعقِّب على التجارب
د. سامية قدري– أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس- د. طارق أبو هشيمة، مدير المؤشِّر العالمي للفتوي بدار الإفتاء.