الموت هو الحقيقة الثابتة وله مهابة عظيمة يجب أن ينتبه لها كل من يفكِّر حقًّا فى الحياة الأخرى التى سوف يحيا فيها بعد عالَم البرزخ. والموت فى المقام الأول عِظة وتَذْكِرة لمن هو مازال يحيا فى هذه الدنيا، وعلى الرغم من أنّه حقيقة مؤكَّدة بلا نقاش ولا جدال بأننا كلّنا راحلين ولكن مع فارق التوقيت بيننا، فهذا يموت صغيرا وهذا كبيرا، إلا أن الكثير منّا يتناسى هذا الأمر ويظل فى دوَّامة الحياة يُحَلِّق فيها بسرعة مُرعبة تأخذه فى غَفلة وهو لا يشعر بأن العُمر قد أوشك على الانتهاء وأنه قد حان الأجل وسيرحل ويترك كلّ ما لَهَثَ وراءه فى دوّامة الحياة فلا يفيق إلا وهو فى نهاية المطاف ولم يكن قد قدَّم ما يُعينه على الطريق الطويل الذى ينتظره طريق الآخرة، حقيقة ماذا قدّمنا وبماذا استعددنا؟
لذا أذكِّركم ونفسى بمراعاة فروق التوقيت فقد يكون الفارق فى التوقيت بينك وبين من رحل عنك قريبًا لكنك لا تدرى، ومن هنا يجب علينا أن نفيق ونستعد حتى لا يأتى أحدَنا الموتُ فيقول (رب ارجعون لعلّى اعمل صالحا) عندها لن ينفع الندم ولن تُقبل التوبة إذا غرغرت الروح، فلنبدأ معًا الآن البحث عن أول الطُرق التى تجعلنا فى بداية الطريق للقاء الله تعالى، أتدرون ما هو؟ نعم إنه ردّ الحقوق لأصحابها، أو دعونى أقول أنها ردُّ المظالم، فمظالم العباد لها قنطرة بين الجنّة والنار يُحْبَسُ فيها المرء ولا يدخل الجنّة بعد أن ينجو من النار ويعبُر الصراط إلا إذا اقتَصَّ منه أصحابُ الحقوق الذين لهم عنده مظالِم، كأن يكون قد أخذ منهم مالا على سبيل الاقتراض ولم يرجعه، أو يكون قد وقع فى عِرض أحدهم ولم يستسمحه، أو أن أحدهم استطعمه فلم يطعمه، وماذا عن اليتامى الذى هو وصيٌّ عليهم، هل صان هذا المال أم أكل أموالهم إلى أمواله؟! وغيره الكثير والكثير، هل حقًّا نحن مستعدون للقاء الله،؟! فليسأل كل شخص نفسه: ماذا معى كى أحصِّن به نفسى، إن هذا التحصين والتأمين هام جدّا وسنحتاج إليه كى يكون معنا حجّة واضحة إذا سألنا الله عن الصغيرة والكبيرة التى دوِّنت فى صحائفنا، فكل إنسان عندما يأخذ كتابه يوم القيامة سيجد كل ما قدَّم مدوَّنًا فى هذا الكتاب حتى أنه يتعجّب ويقول: (مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربُّك أحدا).
إذن علينا أن نسارِع فى تأمين أنفسنا قبل فوات الأوان، قبل أن يتحسَّر كل إنسان على ما فرَّط فى حياته، لأننا كلّنا راحلين، ولكن لكل إنسان ميعاد يرحل فيه، قد يقترب أو يبعد، لكنه فى النهاية أمر حتمى لا مفر منه، لكل شخص.
لذا يجب أن نفيق مع مراعاة فروق التوقيت بيننا والتى يجب أن نعتبر عندما نجد الأحبَّة قد سبقونا وتركونا لعلّنا نعمل لأنفسنا شيئا ينفعنا ولعلّنا نقدِّم لمن رحل شيئا آخر يعينهم على المجهول الذى لم يعيشوا فيه قبل ذلك، وأهل القبور يتمنّوا من يهبُ لهم صدَقة أو دعاءً أو أى شيء يرفع من درجاتهم، وقد أذكِّرك الآن بأنك أقدَر الناس على تقديم أعماله الصالحة لتسبقه إلى طريق الآخرة ولا تلهو فى الدنيا وتغفل عن آخرتك ثم تنتظر بعد وفاتك من يتفضّل عليك بحسَنَة، عُذرا عزيزى القارئ، وأكرِّر اعتذاري: انتبه فكلّنا راحلين ولكن مع مراعاة فروق التوقيت!