تحتل وزارة الأوقاف مكانة خاصة في المجتمع المصري، إذ يقع على عاتقها الإشراف على بيوت الله وإدارة شئون الدعوة والخطابة. ولئن كان الإمام والخطيب في الوجدان الشعبي رمزاً للعلم والوقار والقدوة، فإن واقع عدد كبير من خطباء المساجد اليوم يكشف عن مفارقة مؤلمة؛ فهناك آلاف من خطباء المكافأة يعملون بلا استقرار وظيفي ولا ضمانات اجتماعية، ويتقاضون مبالغ زهيدة لا ترتقي حتى إلى الحد الأدنى للأجور المعلن في الدولة. هذه الفئة التي يفترض أن تكون حاملة لمشعل التوجيه والوعي تعيش مظلومية حقيقية تستحق أن تُطرح بجدية على مائدة الإصلاح.
وخطباء المكافأة هم خريجو الأزهر وكليات الشريعة والدعوة وأصول الدين، الذين لا يحصلون على تعيين دائم بوزارة الأوقاف، فيتم الاستعانة بهم لسد العجز في المساجد الكبرى والصغرى بمكافآت رمزية. يقوم هؤلاء بالخطب والدروس وإمامة المصلين، ويؤدون ذات المهام التي يقوم بها الإمام المعين، لكن الفارق الكبير أن الإمام موظف رسمي يتقاضى راتباً شهرياً مؤمناً عليه، بينما خطيب المكافأة لا يتجاوز دخله بضع مئات من الجنيهات عن خطب الشهر كله، بلا أي حقوق إضافية.
مع إعلان الدولة تطبيق الحد الأدنى للأجور في القطاعات المختلفة، ظن خطباء المكافأة أن معاناتهم ستجد طريقها إلى الحل. لكن الواقع جاء مخيباً للآمال؛ إذ ظلوا خارج دائرة الاهتمام، وكأنهم ليسوا جزءاً من المنظومة الدعوية الرسمية. يتقاضى بعضهم ٣٠٠ أو ٤٠٠ جنيه في الشهر، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية أبسط الاحتياجات، فضلاً عن أنه لا يتناسب مع جهد خطبة الجمعة وما تتطلبه من تحضير علمي ودعوي. هذه الفجوة بين ما تعلنه الدولة من سياسات عدالة اجتماعية وبين ما يعانيه خطباء المكافأة، تكشف عن خلل واضح في أولويات وزارة الأوقاف.
المفارقة الصارخة أن الوزارة تعاني عجزاً كبيراً في عدد الأئمة الرسميين نتيجة الإحالات المتزايدة للمعاش، وفي الوقت نفسه تترك خطباء المكافأة دون تثبيت أو تحسين أوضاعهم. بدلاً من الاستفادة من آلاف الخريجين المؤهلين، يتم التعامل معهم كعمالة مؤقتة، رغم أن الحاجة إليهم دائمة ومتزايدة. أليس من الأولى فتح باب التعيين لهم تدريجياً، أو على الأقل منحهم رواتب عادلة توازي الحد الأدنى للأجور؟
حل مشكلة خطباء المكافأة لا يحتاج معجزات، بل رؤية عادلة وإرادة سياسية وإدارية وهذا ما لمسناه في العالم الجليل د. أسامة الأزهري وزير الاوقاف.
تجاهل هذه الفئة يا معالي الوزير ليس مجرد إهمال إداري، بل يحمل خطراً على المجتمع ككل. فحين يشعر الخطيب بالظلم والفقر، قد ينسحب من دوره الدعوي، أو يصبح أكثر عرضة لليأس والاضطراب. والأسوأ أن الفراغ الذي يتركه قد يُستغل من قبل جماعات متشددة تسعى لإعادة إنتاج خطاب الكراهية. إن الحفاظ على خطباء المكافأة ورعايتهم مادياً ومعنوياً هو جزء من صون الأمن الفكري والديني للمجتمع.
خطباء المكافأة يمثلون شريحة مظلومة تحمل رسالة عظيمة بلا مقابل عادل. هم جنود على منابر الجمعة، لكنهم يعيشون بلا حقوق وظيفية، وبأجور أدنى بكثير من الحد الأدنى المقرر. هذه المظلومية ليست فقط قضية مطلبية، بل قضية عدالة اجتماعية وأمن وطني. فالمسجد لا يمكن أن يظل قائماً برسالة قوية إلا إذا كان منبره محمياً بخطيب مستقر مادياً ونفسياً.
لقد آن الأوان أن تتحرك الدولة ووزارة الأوقاف لرفع هذا الظلم، وإعطاء الخطباء مكانتهم المستحقة. فالعدل مع هؤلاء هو العدل مع المجتمع كله، وهو ضمان أن يظل المنبر منارة هداية، لا مكاناً يُدار بعشوائية أو فراغ. إن دعم خطباء المكافأة ليس ترفاً، بل ضرورة لحماية المسجد والفكر والدعوة، وتحقيق ما نادت به الدولة من عدالة ومساواة في الأجور.