“نتنياهو” متهم بـ”كابوس” نشر الفزع وإشعال الحروب
حسام وهب الله
في عام 2006 وخلال الحرب التي نشبت بين حزب الله وقطاع غزة نشرت صحيفة “نقوداة” الناطقة باسم المستوطنات الصهيونية في فلسطين المحتلة، قصة لأحد المستوطنين تحت عنوان “السفينة تطلق أخر صفارة لها” أكد فيها الكاتب إن استمرار الحروب الإسرائيلية سيساهم في انتهاء دولة إسرائيل بأسرع مما يتخيل أكثر اليهود تشاؤما، حيث سيهب العرب يوما ما ويشنون حربا متعددة الجبهات من الشمال والجنوب ومن الشرق لتنتهي اسرائيل كما بدأت ولن يتبقى منها سوى عدة سفن تحمل اليهود بعيدا ليعودوا أدراجهم إلى الدول التي جاء منها اباؤهم وأجدادهم.
هذه الأيام وبعد توسع رئيس الوزراء الإسرائيلي في حربه ضد العالمين العربي والإسلامي وأخرها أعدائه على الأراضي القطرية بزعم استهداف قيادات حركة حماس، استدعى الإعلام الإسرائيلي تلك القصة وبدأت العديد من الصحف والقنوات العبرية في رصد تزايد معدلات الهجرات اليهودية من إسرائيل، مؤكدين إن إصرار حكومة نتنياهو على عدم الانصياع للتفاوض وإنهاء الحروب مع العرب والمسلمين يمهد بالفعل لحرب لن تبقي اسرائيل طويلا.
البداية كانت مع موقع “واللا العبري” الذي أكد في تقرير له إن معدل فرار الإسرائيليين إلى الخارج زاد بشدة في الأشهر السبعة الأولى من العام، حيث بلغ عددهم 400,600، أي بزيادة قدرها حوالي 22,200 شخص شهريًا عن عام 2024 بسبب ما يفعله نتنياهو وفتحه لجبهات متعددة، لدرجة إن وكالة الهجرة اليهودية حذرت في تقرير لها من خطورة استمرار السياسة الإسرائيلية التي تنتهج العنف بدلا من التفاوض مع الدول العربية.
وأضاف موقع واللا، وفقا للإحصائيات: عام 2024 شهد معدل النمو السكاني في إسرائيل انخفاضًا ملحوظًا، حيث بلغ 1.1% مقارنةً بـ 1.6% في العام السابق، ويُعزى هذا الانخفاض بشكل رئيسي إلى الزيادة الكبيرة في حجم الهجرة السلبية، في ظل الوضع الأمني المعقد حيث غادر 82700 إسرائيلي البلاد خلال عام 2024 وعاد إليها 23800 إسرائيلي فقط.
ووفقًا لبيانات الوكالة اليهودية كما وردت في تقاريرها، وصل 32281 مهاجرًا جديدًا إلى إسرائيل عام 2024. وهذا يمثل انخفاضًا بنسبة 31٪ مقارنة بعام 2023، عندما وصل 47013 مهاجرًا إلى إسرائيل.
تعليقات
علق عضو الكنيست يوآف سيغالوفيتش من حزب (يش عتيد) – يوجد مستقبل- على هذا التقرير: “على الحكومة وضع خطة للتعامل مع الهجرة السلبية وتراجع أعداد المهاجرين. يجب أن تكون هذه الأرقام محل اهتمام بالغ من جميع الوزارات الحكومية، بما في ذلك وزارتي المالية والدفاع، فهناك هجرة كبيرة للشباب المتعلم، ولكن لا توجد خطة وطنية لمعالجة هذه المشكلة، وإذا لم يكن العلماء والباحثون والأطباء موجودين، فلن تتمكن دولة إسرائيل بأكملها من الاستمرار في المنطقة، ويجب على أحدٍ ما في الحكومة أن يستيقظ ويفعل شيئًا ،ويجب أن يتم التوقف عن السياسة العسكرية الغبية التي ينتهجها نتنياهو.
نزوح يهودي مكثف
أما موقع ice قريب الصلة من الاستخبارات الإسرائيلية ڤأكد في تقرير له إن إسرائيل شهدت موجةً مقلقة من النزوح. حيث كشفت بيانات جديدة أن 4804 إسرائيليين ألغوا إقاماتهم في إسرائيل في شهر واحد هو يوليو 2028 وهذه زيادةٌ هائلةٌ بنسبة 150% مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق.
ويشير الخبراء الصهاينة إلى عوامل متعددة وراء هذه الظاهرة، منها انعدام الأمن الشخصي، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والرغبة في توفير مستقبل أكثر سلامًا لأطفالهم. وبالنسبة للكثيرين، يُعد قرار إلغاء الإقامة خطوة متطرفة تعكس شعورًا عميقًا باليأس وانعدام الثقة في قدرة الدولة على حماية مواطنيها.
وتعرف إسرائيل هجرة اليهودي منها على أنه الشخص الذي سافر إلى الخارج وظل عاما كاملا دون عودة لعمله أو سكنه وهو ما يعني إن النصف مليون يهودي الذين هاجروا خلال عامى 2023/2024 هاجروا بالفعل دون عودة ودون تفكير في العودة.
الشباب والمتعلمون
وفقا لصحيفة جلوبس الناطقة بالعربية تُظهر نظرةٌ مُعمّقةٌ على البيانات أن مُعظم اليهود المُغادرين من اسرائيل هم من الشباب في بداية حياتهم المهنية، حيث تتراوح أعمار 40% منهم بين 20 و40 عامًا، بينما لا يُشكّلون سوى 27% من إجمالي السكان. كما تُظهر الأرقام أن سكان المنطقة الوسطى وتل أبيب يُشكّلون نسبةً كبيرةً من المُغادرين، وفي هذه الحالة أيضًا، يُمثّل هذا تمثيلًا مُفرطًا مُقارنةً بنسبتهم في السكان.
من ناحيةٍ أخرى، فإنّ تمثيل المناطق الشمالية والجنوبية والضفة الغربية بين المُغادرين للبلاد مُنخفضٌ مُقارنةً بنسبتهم للسكان. في منطقتي القدس وحيفا، يكون التمثيل مُقاربًا نسبيًا لنسبتهم للسكان.
أضافت الصحيفة: من الواضح أن الواقع في إسرائيل معقد كالمعتاد هناك بالفعل هجرة كبيرة، لكن يجب الانتباه إلى من يغادر ولماذا؟ على أي حال، الوضع أسوأ بكثير من السنوات العادية. ماذا حدث لمن غادروا خلال عام 2024؟ لن نعرف الإجابة إلا بنهاية عام 2025.
قلق متصاعد
ووفقا لتقرير صادر عن معهد شوريش للأبحاث الاجتماعية والاقتصادية في اسرائيل، سُجِّلت بين يناير وسبتمبر 2024 زيادة بنسبة 42% في عدد المغادرين من إسرائيل، وانخفاض بنسبة 7% في عدد العائدين وهو رقم أقلق الدوائر الصهيونية بشدة ودعا المعهد للتأكيد على ضرورة إجبار نتنياهو على وقف حروبه متعددة الجبهات قبل فوات الأوان
الانهيار
ورغم إن تلك الأرقام لا تعني إن اسرائيل تنهار بالكامل
إلا أن مشاهد مغادرة إسرائيل وسط الأزمات السياسية والعسكرية، تسلط الضوء على إحدى أكثر القضايا الإشكالية لدى السلطات الإسرائيلية، وهي ألا تكون إسرائيل آمنة لسكانها، وألا تكون جاذبة ليهود العالم، وهي الدولة التي قامت أساسا على وعد الأمان لليهود حول العالم. فأسوأ ما يُهدِّد إسرائيل هو نزيف العقول: العلماء والمهندسون والأطباء يبحثون عن أماكن أخرى. هذا ليس نزوحا للأفراد فقط، بل فقدان للموهوبين الذين يبنون الدولة ويكفي أن نشير إلى حدث انضمام البروفيسور الإسرائيلي آرون سيخانوفر، الحائز على نوبل في الكيمياء، إلى مجموعة من الشخصيات الإسرائيلية التي تطالب بوقف إطلاق نار فوري وإبرام صفقة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى حماس.
وجاء موقف البروفيسور انطلاقا من قناعة بأن عدم استعادة الرهائن سيؤدي إلى انهيار العقد الاجتماعي الذي تستند إليه إسرائيل، مما سيكون له عواقب كارثية على البلاد، ذلك لأنها تشهد موجات هجرة متزايدة لعقول لم تعد ترى مستقبلا في إسرائيل، فقد غادر بعضها، فيما يقف البعض الآخر في انتظار اللحاق بزملائه، وهو أمر يُهدِّد مستقبل إسرائيل دون شك.