النفاق داء قتال، وله من جذره اللغوى نصيب، يقال: نفقت الدابة إذا ماتت، ونفق الطائر إذا مات، فالنفاق موت للقلب، وموت للضمير، وموت للأخلاق، وموت للقيم، وموت للروح.
والنفاق نوعان: عقدي، وعملي، أما العقدى فهو أن يُظْهِرَ الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره حلوه ومره، ويبطن خلاف ذلك كله أو بعضه، ويسميه بعض العلماء النفاق الأكبر، وهو الذى يقول فى شأن أصحابه رب العزة سبحانه وتعالى: “إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا”، لأن هؤلاء المنافقين أكثر خطرا وأشد ضررا على الإسلام والمسلمين من الكفار والمشركين.
والنوع الثانى هو ما يعرف بالنفاق والرياء العملي، وقد عرفه ابن حجر، رحمه الله، بأنه إظهار العبادة لله قصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها، ومنه تجويد العبادة فى العلن مراءاة للناس، وعنه قال الإمام الغزالى، رحمه الله: هو طلب المنزلة فى قلوب الناس بأن يريهم الخصال المحمودة من نفسه، ليحمدوه، فينال بذلك منزلة أو مكانة أو نفعًا أو ثناءً، وهذا النوع من النفاق محبط للعمل مذهب لثوابه، ففى الحديث القدسى يقول رب العزة: “أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِى غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ”.
وللنفاق العملى علامات، من أهمها: الكذب فى الحديث، وخلف الوعد والعهد، وخيانة الأمانة، والفجور فى الخصومة، ففى الحديث النبوي الشريف يقول نبينا الكريم: “آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ”، ويقول: “أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ”.
ومن صفاتهم أيضا الكسل عند أداء الطاعة والعبادة، ومراءاة الناس بها أو بتجويدها والتظاهر بإتقانها على عكس ما يكون فى خلوته أو بعده عن الناس، حيث يقول الحق سبحانه: “إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا”، ويقول: “وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ”، ويقول نبينا الكريم: “إِيَّاكُمْ وَشِرْكَ السَّرَائِرِ”، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا شِرْكُ السَّرَائِرِ؟ قَالَ: “يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّى فَيُزَيِّنُ صَلاتَهُ جَاهِدًا لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ شِرْكُ السَّرَائِر”.
ومن أخص علامات المنافقين وصفاتهم وأشدها خطرا: الإفساد فى الأرض، حيث يقول الحق: “وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ”.
وقد توعد الحق سبحانه وتعالى المنافقين بالعذاب المقيم، فقال: “وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ”.
وأخطر المنافقين في واقعنا الراهن هم عناصر تلك الجماعات التي تتاجر بالدين وتوهم الناس أنها تعمل لخدمته متخذة من ذلك وسيلة للقفز على السلطة ولو على حساب دينها ووأطانها، وحتى لو كان ذلك بالتحالف مع أعداء ديننا ووطننا وأمتنا، متخذين من الأكاذيب والمغالطات وسيلة لتحقيق أهدافهم الخبيثة التي لا تمت للدين بصلة، ويلحق بهؤلاء كل من يتخذ الدين وسيلة لتحقيق منافع ومصالح شخصية على حساب دينه ووطنه.