استمرار العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزّة وأهْلِه العُزَّل لعامَيْن متواصِلَين، فضلا عن الاحتلال البغيض لكامل الأراضى الفلسطينية منذ عام 1948، وما تلا ذلك من اعتداءات مُتكرِّرة بحقِّ الكثير من الدول العربية بل الإسلامية أيضا، وأحدثها دولة قَطَر الشقيقة، يستدعى إلى أذهان المُخْلِصين فى عالَمنا العربي والإسلامي، مُطالبتهم بضرورة إقامة تحالُف عربي- إسلامي فى مختلَف المجالات، خاصة العسكرية، على غِرار “حِلْف الناتو”.
وجميعنا دَرَس أو عَلِمَ أو قرَأ فى كُتب الدّين والتاريخ وقصص وحكايات الأجدَاد عن وجوب “الوِحْدَة” الإسلامية، خاصّة وأن الروابط التى تجمعُنا أكثر بكثير جدًّا من النقاط المُحْتَمَل أن تُفرِّق بيننا- وهى فى القشور والفرعيّات التى لا تُسمن ولا تُغني- ولا يمكن لها أن تؤثِّر فى العلاقات مهما كَثُرَت أو تعدَّدت.
بعكسِ الحال بالنسبة لدول “حلف الناتو” التى كانت فيما بينها بُحُورٌ من الدَّمِّ والعداوة والاقتتال حتّى على العقيدة ذاتها فلم يكونوا مُتّفقين- حتى الآن- أمّا نحن- فلله الحمد والمِنَّة- فجميع الدول الإسلامية تجمعُها رابطةٌ واحدةٌ، عقيدةٌ واحدةٌ- مع اختلافات بسيطة فى بعض المذاهب- وبينها ثقافة وعادات وتقاليد وأهداف واحدة ومتقارِبة، لكن للأسف الشديد فإن صِراعاتها مُتعدِّدة، مُتشعِّبَة، مُتجذِّرة، والكلّ يتحدّث ويَعْلَم وجوب تحقيق هذه الوِحدة، التزامًا دينيًّا، ووجوديًّا.
لكن يغيب عنَّا التطبيق، ولا يدري أحدُنا أين يكمُن السبب الحقيقي، حتّى وإن كان يدرى فهو لا يعرف كيف تتحقَّق تلك الوحدة، ولا الأسباب التى تمنع تحقُّقها، وكيفية التغلُّب عليها؟! فهناك عوامل وتحدّيّات وعقبات ضخْمة جدًّا، لا يُدركها كثيرٌ منَّا.
ومن هذا المُنْطَلَق جاء حِرْصُ القيادة المصرية مُمَثَّلة فى فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، على المشارَكة فى القمَّة العربية الإسلامية الاستثنائية، التى عُقدت أمس الاثنين بالعاصمة القَطَريَّة “الدَّوحة”، تأكيدًا على تضامُن مصر الكامل مع قَطَر الشقيقة- حكومةً وشعبًا- وتجسيدًا لموقِفِها الثابت فى الوقوف إلى جانب الأشِقَّاء فى مواجهة العدوان الذي تعرَّضت له قَطَر الثلاثاء الماضي، واستهدفت به قوَّات الاحتلال الإسرائيلي اجتماعًا لقادَة حماس فى أحد المقَار، ويُعدُّ انتهاكًا صارخًا لكافّة المواثيق والأعْرَاف الدولية.
وقد استعرض الرئيس فى كلمة مصر رؤية القاهرة تجاه مُستجدَّات الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط، مؤكِّدًا على ثوابت السياسة المصريّة فى دعم الأمن والاستقرار الإقليمي.
وبعيدا عن تفاصيل البيان الختامى، وكواليس اجتماع وزراء خارجية الدول المشارِكة، وما صدَر عنهم من مسوَدَّات للبيان، فإن المشْكِلة أو القرار الوحيد الذي يجب أن يتمّ تطبيقه، وليس الاكتفاء بإصداره والاتّفاق عليه من قِبَل القادة والرؤساء والملوك والزعماء العرب والمسلمين.
فقد تأكَّد للجميع، بما لا يَدَع مجالا لأيّ شكٍّ، أن الاحتماء بالآخر، أو بالمعنى الشعبي الدارِج “المتْغَطِّى بالأجنبي عريان” أيًّا كان الادّعاء أو المُبرِّر، فإن الواقع المرير الذي نعيشه يؤكِّد ضرورة استعادة الُّلحمة العربية ونبْذ الخلافات العربية- العربية أو حتى الإسلامية- الإسلامية، ووضع استراتيجية موحَّدة، وتحديد رؤية مشترَكة تفرضها تحدّيّات الواقع المعاصر، فرُبَّما كان العدوان على قَطَر هو “ضارَّة” يجب أن نجعلها “نافعة” لنا جميعا.
والعودة لما طرَحه الرئيس السيسي فى قمَّة شرم الشيخ 2015 خاصّة أن القادَة العرب قد أقرُّوا وقتها تشكيل قوَّة عربية عسكرية مشترَكة “لمواجهة التحديات وصيانة الأمن القومي العربي”.
وأعلن الرئيس السيسي- في ختام القمَّة بشرم الشيخ- إنه “سيتم تشكيل فريق رفيع المستوى تحت إشراف رؤساء أركان القُوَّات المُسلَّحة للدول الأعضاء لدراسة كافّة الجوانب المُتعلِّقة بإنشاء القُوَّة العربية المشترَكة وآلية تشكيلها”.
على الحكام تفعيل وتطبيق ما اتَّفقوا عليه، سواء سابقًا أو أمْس فى قمَّة الدوحة، فلا وقت للتَمَهُّل خاصة مع التصريحات النازيَّة الصادرة من جانب المُعتَدِين المُحْتَلِّين، حتى وقت انعقاد قمَّة الدوحة!
لتكن “قمّة الدوحة” هى بداية الاستِفَاقة والصحوَة العربية- الإسلامية.. ولـ”تحيا الأُمَّة العربية الإسلامية”.