الغطرسة الآخذة فى التضخّم.. تتطلّب منّا العمل معًا
القضية الفلسطينية.. مفتاح الاستقرار فى المنطقة
حذَّر الرئيس عبدالفتاح السيسي، من أن الممارسات الإسرائيلية تجاوزت أى منطق سياسى أو عسكرى،
وأن الغطرسة الآخذة فى التضخّم، تتطلّب منّا كقادة ورؤساء عرب ومسلمين العمل معًا، مؤكدا أن القضية الفلسطينية وحل الدولتين هو مفتاح الاستقرار فى المنطقة.
كان فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، قد شارك اليوم الاثنين، في أعمال القمّة العربية الإسلامية الطارئة، التي عُقدت في العاصمة القطرية الدوحة، لبحث الهجوم الإسرائيلي على دولة قطر الشقيقة.
وصرّح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن القمّة ركّزت على بحث العدوان الإسرائيلي الأخير، مؤكّدةً على وحدة الموقف العربي والإسلامي الرافض للانتهاك السافر الذي طال سيادة الدول العربية، وعلى أهمية تضافر الجهود لمنع انزلاق المنطقة نحو مزيد من الصراعات والعنف، بما يهدّد بتوسيع رُقعة التوتّر وعدم الاستقرار.
أشار السفير محمد الشناوى، المتحدث الرسمي، إلى أن السيد الرئيس ألقى كلمة خلال أعمال القمّة تناول فيها رؤية مصر تجاه التطوّرات الراهنة، وموقفها الثابت من دعم وحدة الصف العربي والإسلامي، ورفض أي انتهاكات تمسّ سيادة الدول أو تهدّد أمنها واستقرارها. وفيما يلي نص الكلمة التي ألقاها السيد الرئيس: بسم الله الرحمن الرحيم
أخى صاحب السمو الشيخ/ تميم بن حمد آل ثانى.. أمير دولة قطر الشقيقة،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو.. ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية والإسلامية الشقيقة،
معالى السيد/ أحمد أبو الغيط.. الأمين العام لجامعة الدول العربية،
معالى السيد/ حسين إبراهيم طه.. الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى،
﴿السلام عليكم ورحمة الله وبركاته﴾
أود بداية؛ أن أعبّر عن خالص التقدير، لأخى صاحب السمو الشيخ “تميم بن حمد آل ثانى”، ودولة قطر الشقيقة، على استضافة هذه القمة المهمة، والتى تنعقد فى توقيت بالغ الدقة، وفى ظل تحديات جسام تواجهها المنطقة، التى تسعى إسرائيل لتحويلها إلى ساحة مستبَاحة للاعتداءات، بما يهدّد الاستقرار فى المنطقة بأسْرها، ويشكل إخلالا خطيرا بالسلم والأمن الدوليين، وبالقواعد المستقرّة للنظام الدولى.
كما أودّ أن أنقل إلى قيادة قطر وشعبها الشقيق؛ تضامن مصر الكامل، وتضافرها مع أشقائها، فى مواجهة العدوان الإسرائيلى الآثم، الذي شهدته الأجواء والأراضى القطرية، والذي يمثل انتهاكاً جسيماً، لأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ويعد سابقة خطيرة، وتهديدا للأمن القومى العربى والإسلامى.
ودعونى أؤكّد هنا بوضوح؛ أن هذا العدوان إنما يعكس بجلاء، أن الممارسات الإسرائيلية تجاوزت أى منطق سياسى أو عسكرى، وتخطّت كافة الخطوط الحمراء.. وأن أُعرب عن الإدانة، بأشدّ وأقسى العبارات لهذا العدوان الإسرائيلى، على سيادة وأمن دولة عربية، تضطلع بدور محورى فى جهود الوساطة مع مصر والولايات المتحدة، من أجل وقف إطلاق النار فى غزّة، وإنهاء الحرب والمعاناة غير المسبوقة، التى يمرّ بها الشعب الفلسطينى الشقيق.
كما أحذِّر من أن ما نشهده من سلوك إسرائيلى منفلت، ومزعزع للاستقرار الإقليمى، من شأنه توسيع رُقعة الصراع، ودفع المنطقة نحو دوّامة خطيرة من التصعيد، وهو ما لا يمكن القبول به. أو السكوت عنه.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، بينما تدعو مصر المجتمع الدولى، إلى تحمُّل مسئولياته الأخلاقية والقانونية، لضمان عدم تكرار هذه الاعتداءات، وإنهاء الحرب الإسرائيلية الغاشمة، بما يقتضيه ذلك؛ من محاسبة ضرورية للمسئولين، عن الانتهاكات الصارخة، ووضع حدٍّ لحالة “الإفلات من العقاب”، التى باتت سائدة أمام الممارسـات الإسـرائيلية. فإنه بات واضحا؛ أن النهج العدوانى الذى يتبنّاه الجانب الإسرائيلى، إنما يحمل فى طيّاته نيّة مبيّتة، لإفشال كافة فرص تحقيق التهدئة، والتوصل إلى اتفاق يضمن الوقف الدائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن والأسرى. كما أن هذا التوجّه؛ يشى بغياب أى إرادة سياسية لدى إسرائيل، للتحرُّك الجدّى فى اتجاه إحلال السلام فى المنطقة.
إن الانفلات الإسرائيلى، والغطرسة الآخذة فى التضخّم، تتطلّب منا كقادة للعالمين العربى والإسلامى، العمل معا نحو إرساء أسس ومبادئ، تعبّر عن رؤيتنا ومصالحنا المشتركة. ولعلّ اعتماد مجلس الجامعة العربية، فى دورته الوزارية الأخيرة، القرار المعنون: “الرؤية المشتركة للأمن والتعاون فى المنطقة”، يمثِّل نواة يمكن البناء عليها، وصولا إلى توافق عربى وإسلامى، علـى إطــار حاكــم للأمــن والتعــاون الإقليمييــن، ووضع الآليات التنفيذية اللازمة، للتعامل مع الظرف الدقيق الذى نعيشه، على نحو يحول دون الهيمنة الإقليمية لأى طرف، أو فرض ترتيبات أمنيّة أحادية، تنتقص من أمن الدول العربية والإسلامية واستقرارها.
مبادئ ثابتة
أضاف الرئيس السيسي: أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، إن على إسرائيل أن تستوعب، أن أمنها وسلامتها، لن يتحقّقا بسياسات القوّة والاعتداء، بل بالالتزام بالقانون الدولى، واحترام سيادة الدول العربية والإسلامية. وأن سيادة تلك الدول، لا يمكن أن تمسّ تحت أى ذريعة، وهذه مبادئ غير قابلة للمساومة.
ومن ثمَّ؛ على العالم كلّه، إدراك أن سياسات إسرائيل، تقوِّض فرص السلام بالمنطقة، وتضرب عرض الحائط بالقوانين الدولية، والأعراف المستقرّة والقيم الإنسانية. وأن استمرار هذا السلوك، لن يجلب سوى المزيد من التوتّر، وعدم الاستقرار للمنطقة بأسْرها، على نحو سيكون له تبعات خطيرة على الأمن الدولى.
ولشعب إسرائيل أقول: “إن ما يجرى حاليا يقوِّض مستقبل السلام، ويهدّد أمنكم، وأمن جميع شعوب المنطقة، ويضع العراقيل أمام أي فرص لأيّة اتفاقيات سلام جديدة، بل يجهض اتفاقات السلام القائمة مع دول المنطقة. وحينها ستكون العواقب وخيمة؛ وذلك بعودة المنطقة إلى أجواء الصراع، وضياع ما تحقّق من جهود تاريخية لبناء السلام، ومكاسب تحقّقت من ورائه، وهو ثمن سندفعه جميعا بلا استثناء. فلا تسمحوا بأن تذهب جهود أسلافنا من أجل السلام سُدىً، ويكون الندم حينها.. بلا جدوى “.
الموقف المصري
تابع الرئيس السيسي: أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، تؤكّد مصر رفضها الكامل، لاستهداف المدنيين، وسياسة العقاب الجماعى والتجويع، التى تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة. وهو ما أدى إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين الأبرياء، على مدار العامين الماضيين.
وأشدِّد هنا؛ على أن الحلول العسكرية، وإجهاض جهود الوساطة، والاستمرار عوضا عن ذلك، فى محاولة فرض الأمر الواقع بالقوة الغاشمة، لن يحقق الأمن لأى طرف.
وفى هذا السياق؛ ستواصل مصر دعمها الثابت، لصمود الشعب الفلسطينى على أرضه، وتمسكه بهويته وحقوقه المشروعة، طبقا للقانون الدولى، والتصدى لمحاولة المساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرّف. سواء عبر الأنشطة الاستيطانية، أو ضم الأرض، أو عن طريق التهجير، أو غيرها من صور اقـتـلاع الفلسطينيين من أرضـهم. عبر استخدام عناويـن ومبـرّرات، لا يمكن قبولها بأى حال من الأحوال.
وتؤكّد مصر مجدّدا؛ رفضها الكامل، لأى مقترحات من شأنها تهجير الفلسطينيين من أرضهم. فمثل هذه الأطروحات، ليس لها أساس قانونى أو أخلاقى، ولن تؤدى سوى إلى توسيع رقعة الصراع، وهو أمر من شأنه زعزعة استقرار المنطقة بأكملها.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالى، لقد آن الأوان، للتعامل بجدّيّة وحسم مع القضية الفلسطينية، باعتبارها مفتاح الاستقرار فى المنطقة.
إن الحلّ العادل والشامل، للقضية المركزيّة للعالَمين العربى والإسلامى، يقوم على إنهاء الاحتلال، وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلّة، على خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها “القدس الشرقية”.
وفى هذا الإطار؛ أؤكّد على تطلّع مصر، إلى أن يمثّل مؤتمر حلّ الدولتين، الذى سيُعقد يوم 22 سبتمبر الجارى، على هامش الشقّ رفيع المستوى، لأعمال الجمعية العامة للأمم المتّحدة فى نيويورك، محطّة مفصليّة، على طريق تحقيق حلّ عادل ومستدام للقضية الفلسطينية، خاصة من خلال الاعتراف بدولة فلسطين.
وأجدِّد هنا؛ الدعوة للاعتراف الفورى بدولة فلسطين، من جانب جميع الدول التى لم تقدم على هذه الخطوة بعد، باعتبار ذلك السبيل الوحيد، من أجل الحفاظ على حلّ الدولتين.
لحظة فارقة
استطرد الرئيس السيسي قائلا: أصحاب الجلالة والفخامة والمعالى والسمو، إننا أمام لحظة فارقة، تستلزم أن تكون وحدتنا نقطة ارتكاز أساسية، للتعامل مع التحديات التى تواجه منطقتنا، بما يضمن عدم الانزلاق إلى مزيد من الفوضى والصراعات، والحيلولة دون فرض ترتيبات إقليمية، تتعارض مع مصالحنا ورؤيتنا المشتركة.
إن رسالتنا اليوم واضحة؛ فلن نقبل بالاعتداء على سيادة دولنا، ولن نسمح بإفشال جهود السلام. وسنقف جميعا صفًّا واحدًا، دفاعًا عن الحقوق العربية والإسلامية، وفى مقدّمتها حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلّة، والعيش بحرّيّة وكرامة وأمن.
وختاما؛ يجب أن تغيّر مواقفنا من نظرة العدو نحونا، ليرى أن أى دولة عربية؛ مساحتها ممتدة من المحيط إلى الخليج، ومظلّتها متّسعة لكل الدول الإسلامية والدول المحبّة للسلام.
وهذه النظرة كى تتغيّر، فهى تتطلّب قرارات وتوصيات قويّة، والعمل على تنفيذها بإخلاص ونيّة صادقة، حتى يرتدع كل باغ، ويتحسب أى مغامر.
فقد أصبح لزامًا علينا فى هذا الظرف التاريخى الدقيق، إنشاء آلية عربية إسلامية للتنسيق والتعاون، تمكّننا جميعا من مواجهة التحديات الكبرى، الأمنية والسياسية والاقتصادية، التى تحيط بنا. حيث إن إقامة مثل هذه الآلية الآن، يمثّل السبيل لتعزيز جبهتنا، وقُدرتنا على التصدّى للتحديات الراهنة، واتخاذ ما يلزم من خطوات، لحماية أمننا ورعاية مصالحنا المشتركة. ومصر كعهدها دائما؛ تمدّ يدها لكل جهد صادق، يحقّق سلاما عادلا، ويدعم أمن واستقرار العالمين العربى والإسلامى.