الأسلوب القرآني بلغ القمة في الفصاحة والبلاغة والدقة في التعبير
معجزة الرسول تتميز عن إخوانه الأنبياء بالعالمية والخلود
8 ضوابط في التعامل مع الإعجاز.. وشتان بينه والخرافة
“العددي” مرفوض.. لافتقاده الضوابط وبه أخطاء تسيئ للإسلام
يجب الالتزام بالمنهج القرآني والسنة النبوية والتفاسير المعتمدة
حوار- جمال سالم:
أكد الدكتور خالد راتب، عميد كلية الإعجاز بجامعة خاتم المرسلين الإلكترونية في نيجيريا، أن الإعجاز في القرآن الكريم – سواء البياني أو العلمي أو التشريعي – يمثل أحد أقوى أسلحة الدعوة الإسلامية في عصرٍ يقدّر العقل والعلم وما يصل إليه من حقائق.
وقال في حواره مع عقيدتي إن معجزة النبي محمد ﷺ تختلف عن معجزات سائر الأنبياء بخلودها وشموليتها، مشددًا على ضرورة التفرقة بين الإعجاز والخرافة، ومحذرًا من ما يُعرف بـ”الإعجاز العددي” لافتقاره إلى الضوابط العلمية والشرعية واحتوائه على أخطاء تسيء إلى الإسلام.
ورصد ثمانية ضوابط يجب الالتزام بها في التعامل مع قضية الإعجاز الذي يميز الدين الإسلامي عن غيره.
** في البداية نود التفرقة بين المعجزة والخرافة حيث يخلط البعض بينهما ، بينما يرى آخرون أنهما وجهان لعملة واحدة لا تتفق مع العقل
قال ** مضت سنة الله -سبحانه وتعالى- في النبوات أن يزود النبي بمعجزة تكون دليل صدقه؛ لذا العلماء: المعجزة قرينة الرسالة، ويلاحظ أن معجزات الأنبياء السابقين كانت مقيدة بقيدين:
الأول: أنها معجزات حسية، كانقلاب العصا حية، وانفلاق البحر لسيدنا موسى عليه السلام، وكون النار برداً وسلاماً على سيدنا إبراهيم عليه السلام، وإحياء الموتى وإبراء السقمى لسيدنا عيسى عليه السلام.
الثاني: أنها محدودة الزمان والمكان، فليست لها صفة العالمية والخلود، إذ كان النبي سابقاً يُرسل إلى قومه خاصة.
معجزات الأنبياء
** ما الفرق بين معجزات نبينا محمد وغيره من إخوانه من الأنبياء عليهم السلام؟
** لما كان النبي محمد خاتم الأنبياء، ورسالته خاتم الرسالات، أعطاه الله تعالى نوعين من المعجزات:
الأولى: معجزات حسية شهدها من عاصروه وصاحبوه، كانشقاق القمر، وتسبيح الحصى، وغير ذلك مما تواترت به الروايات، وهذا يشبه ما سبق من معجزات إخوانه من الأنبياء والمرسلين.
الثانية: معجزة معنوية عقلية، وهي القرآن الكريم، كلام الله المنزل على نبيه المعجز بلفظه، المتعبد بتلاوته، المنقول بالتواتر، المكتوب في المصاحف، من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس، وبهذا يظهر لنا أن معجزة النبي محمد تتميز عن معجزات إخوانه من الأنبياء بعالميتها وخلودها، ويؤيد ذلك قوله:” ما مِنَ الأنْبِياءِ نَبِيٌّ إلَّا أُعْطِيَ ما مِثْلُهُ آمَنَ عليه البَشَرُ، وإنَّما كانَ الذي أُوتِيتُ وَحْيًا أوْحاهُ اللَّهُ إلَيَّ، فأرْجُو أنْ أكُونَ أكْثَرَهُمْ تابِعًا يَومَ القِيامَةِ “.
وفي هذا الحديث فضيلة عظيمة للقرآن المجيد على كل معجزة أعطيها نبي من الأنبياء، وعلى كل كتاب أنزله، وذلك أن معنى الحديث: ما من الأنبياء نبي إلا أعطى من المعجزات ما آمن عليه البشر، أي: ما كان دليلا على تصديقه فيما جاءهم به واتبعه من اتبعه من البشر، ثم لما مات الأنبياء لم يبق لهم معجزة بعدهم إلا ما يحكيه أتباعهم عما شاهده في زمانه.
فأما الرسول الخاتم للرسالة فإنما كان معظم ما آتاه الله وحيًا منه إليه منقولًا إلى الناس بالتواتر، ففي كل حين هو كما أنزل، فلهذا قال:” فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا”، وكذلك وقع، فإن أتباعه أكثر من أتباع الأنبياء لعموم رسالته ودوامها إلى قيام الساعة، واستمرار معجزته؛ ولهذا قال الله تعالى:” تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا”، وقال الله تعالى أيضا: “قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا”، ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه فقال:” أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ”.
ثم تحداهم إلى أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، فقال:” أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ”، وقصر التحدي على هذا المقام في السور المكية كما ذكرنا وفي المدنية أيضا كما في سورة البقرة، حيث يقول تعالى:” وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ”.
فأخبرهم بأنهم عاجزون عن معارضته بمثله، وأنهم لا يفعلون ذلك في المستقبل أيضًا، وهذا وهم أفصح الخلق وأعلمهم بالبلاغة والشعر وقريض الكلام وضروبه، لكن جاءهم من الله ما لا قبل لأحد من البشرية من الكلام الفصيح البليغ، الوجيز، المحتوي على العلوم الكثيرة الصحيحة النافعة، والأخبار الصادقة عن الغيوب الماضية والآتية، والأحكام العادلة والمحكمة، كما قال تعالى:” وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا”.
أهمية الإعجاز
** كثر الحديث حول قضية الاعجاز العلمي ما بين مؤيد ومنكر، ولهذا نود التعرف على أهمية ضوابط الإعجاز حتى تتم إزالة اللبس بالخلط بين الإعجاز والتفسير العلمي؟.
** المراد بالضوابط تلك القواعد التي تحدد مسار بحوث الإعجاز وفق الأصول الشرعية المقررة، مع الالتزام بالجوانب الفنية والعلمية المطلوبة، فلابد للعمل الصحيح أن يكون له ضوابط حتى لا يخرج عن المسار الصحيح الذي يسير فيه، وبخاصة إذا كان الأمر متعلقاً بأصول الشريعة، وبالأخص الإعجاز الذي نحن بصدده.
وتكمن أهمية الضوابط في كونه مناط استرشاد للباحثين في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، وخصوصا في هذا الوقت الذي كثر فيه إقبال الباحثين على هذا الموضوع لأهميته في الدعوة والإقناع، وذلك لتميز هذا العصر بالعلم ومكتشفاته، حتى أصبح العلم سمة من سماته.
الاهتمام بالإعجاز من غير سير على ضوابط واضحة أوجد مزالق كثيرة حتى عند بعض المخلصين، وإسهاما في علاج ذلك جاءت هذه الضوابط علها أن تكون مانعا من الوقوع في تلك الأخطاء، وحافزا للكتابة في هذا الموضوع الحيوي .
التزام هذه الضوابط يساعد على إنهاء الخلاف الفكري بين المؤيدين لموضوع التفسير العلمي والمعارضين له؛ لأن جوهر الخلاف بينهم يرجع سببه إلى تلك المظاهر الارتجالية التي لا يصدر أصحابها عن منهج صحيح
ضوابط مهمة
** ما هي أهم الضوابط التي يجب مراعاتها في قضية الاعجاز العلمي؟
** يمكن إجمال هذه الضوابط في النقاط الآتية:
أولا: الالتزام بالمنهج القرآني والسنة النبوية الصحيحة، فلا يمكن ولا يصح أن يعتقد المسلم إمكانية صدور منهج آخر من عند غير الله ليكون أصح من منهج الخالق؛ كيف ذلك والله تعالى هو الذي خلق وهو الذي يعلم ما يصلح لعباده؛ هذا ما تقر به كل الفطر السليمة والعقول الصحيحة؛ لأن صاحب الصنعة هو أعلم بها وبدقائقها وبما ينفعها فيأمر به، وبما يضرها فينهاها عنه، أرأيت لو أن إنساناً صنع جهازاً جديداً ألا ترى أن الناس يسألونه عنها ولا يسألون أحداً سواه، ولله المثل الأعلى” أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ”. فما بالنا عندما يتعلق الأمر بالتشريع نذهب نبحث عن القوانين هنا وهناك.
ثانيا: الالتزام بقواعد التفاسير المعتمدة المنضبطة، وعدم معارضة مبدأ شرعي أو قاعدة من قواعد الدين أو معلم من معالمه.
ثالثا: إبراز أوجه الإعجاز التشريعي بمنهجية علمية موضوعية دون تكلف ودون خروج عن المبادئ والقواعد والأصول التشريعية المعمول بها لدى أهل ا لعلم المعتبرين.
رابعا: التزام الحيدة البحثية، وعدم الركون للقناعات الشخصية، أو التعجل إلى إثبات وجه من أوجه الإعجاز التشريعي دون تأمل وروية ورسوخ.
خامسا: الإشارة للخلفية التاريخية التي توضح واقع المجتمع الإنساني قبل التشريع الإلهي، وما أحدث تشريع رب العالمين من تغيير في الأفراد والمجتمعات.
سادسا: عقد موازنات بين التشريعات القرآنية التي جاء بها سيدنا محمد، وبين التشريعات والقوانين الوضعية قديما وحديثا؛ كي نثبت بالدليل الدامغ أنه يستحيل المقارنة-بحال- بين ما أقرّه القرآن من المبادئ، وبين ما أقرته البشرية في تاريخها الطويل .
سابعا: ثبوت الحقيقة العلمية ثبوتا قاطعا، وتوثيق ذلك علميا متجاوزة مرحلة الفرض والنظرية إلى القانون العلمي.
ثامنا: وجود الإشارة إلى الحقيقة العلمية في النص القرآني أو الحديثي بشكل واضح لا مرية فيه. فإذا تم ذلك أمكنت دراسة القضية لاستخراج وجه الإعجاز.
الإعجاز البياني
** ماذا يقصد بالإعجاز البياني أو اللغوي في وقت تتعرض فيه لغة الضاد باعتبارها لغة القرآن لتحقير وتهميش من بعض أبنائها؟
** يقصد بالإعجاز البياني أو اللغوي بيان القرآن الكريم عن المعاني التي يريدها بأبلغ وأفصح الألفاظ في نظم فريد غير مسبوق، يعجز الخلق عن الإتيان بمثله أو بجزء منه. فالكلمات القرآنية فيها من دقة المعاني وجمال اللفظ والترابط مع مثيلاتها في الآية كنظم الدرر الذي لا يدرك أوله من آخره في التناسق والتناسب، وكذلك الأسلوب القرآني المعجز الذي يجمع بين الفخامة والعذوبة والسلاسة والدقة في التعبير عن المعاني، وقد بلغ الأسلوب القرآني القمة في الفصاحة والبلاغة في شتى المجالات والميادين التي تعرض لها، وهذه الظاهرة عامة في كل سور القرآن الكريم، سواء ما نزل فيها في المرحلة المكية أم المرحلة المدنية، ولا اختلاف أو تباين في الأسلوب القرآني:” أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا”.
قال ابن عطية: وجه التحدي في القرآن إنما هو بنظمه وصحة معانيه وتوالى فصاحة ألفاظه ووجه إعجازه: أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما، وأحاط بالكلام كله علما فعلم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول ومعلوم ضرورة أن بشرا لم يكن محيطا قط فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة.
مقولة مغلوطة
** قد يقول قائل من خصوم الإسلام: إن العرب كان في قدرتها أن تأتي بمثل القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة.. فما ردكم على هذا؟
** هذا كلام غير صحيح، لأن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين، ويظهر لك قصور البشر أن الفصيح منهم يضع خطبة أو قصيدة يستفرغ فيها جهده ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا ثم تعطى لآخر بعده فيأخذها بقريحة جامة فيبدل فيها وينقح، ثم لا تزال بعد ذلك فيها مواضع للنظر والبدل وكتاب الله تعالى لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب أن يوجد أحسن منها لم يوجد. فلما عجزت قريش عن الإتيان بمثله وقالت إن النبي ﷺ تقوله فأنزل الله تعالى:” أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ”.
ثم أنزل تعجيزا أبلغ من ذلك فقال:” أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ”. فلما عجزوا حطهم عن هذا المقدار إلى مثل سورة من السور القصار فقال جل ذكره:” وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ”. فأفحموا عن الجواب، وتقطعت بهم الأسباب، وعدلوا إلى الحروب والعناد، ولو قدروا على المعارضة لكان أهون كثيرا وأبلغ في الحجة وأشد تأثيرا هذا مع كونهم أرباب البلاغة، وعنهم تؤخذ الفصاحة واللسان، فبلاغة القرآن في أعلى طبقات الإحسان وأرفع درجات الإيجاز والبيان بل تجاوزت حد الإحسان والإجادة.
مظاهر فريدة
** نود عرض بعض مظاهر الإعجاز البياني للرد على المنكرين له؟.
** يتجلى الإعجاز بمظاهر وخصائص متعددة نجملها فيما يأتي:
الخاصية الأولى: مسحة القرآن اللفظية التي تتجلى في نظامه الصوتي وجماله اللغوي.
الثانية: إرضاؤه العامة والخاصة بمعنى أن الجميع يحسون حلاوته ويشعرون بجلاله.
الثالثة: إرضاؤه العقل والعاطفة معاً فالقرآن يخاطب العقل والقلب ويجمع الحق والجمال معاً.
الرابعة: جودة سبك القرآن وإحكام سرده فكأنه سبيكة واحدة تبهر العقول وتأخذ بالأبصار.
الخامسة: براعته في تصريف القول وتفننه في ضروب الكلام بمعنى أنه يورد المعنى الواحد بألفاظ شتى وطرق مختلفة وكلها رائعة فائقة.
السادسة: جمع القرآن بين الإجمال والبيان.
السابعة: الوفاء بالمعنى مع القصد في اللفظ”.
الثامنة: تصوير المعاني الذهنية والحالات النفسية وإبرازها في صور حسيّة.
الإعجاز التشريعي
** لكم أبحاث عديدة عن الإعجاز التشريعي، فماذا يقصد به؟.
** يقصد به إثباتُ عَجْز الثقلين (الإنس والجن) جميعًا عن الإتيان بِمثل- أو قريبا- مما جاء به القُرآن الكريم والسنة المطهرة من تشريعاتٍ وأحكام، تَتَعلَّق بالفرد والأُسْرة والمجتمع والكون في المجالات كافة؛ مما يثبت صدق نبوة النبي والقرآن الذي أنزل عليه.
وقيل في تعريفه أيضا أنه: عجز المتفوقين في التشريع والتقنين عن أن یأتوا بأحكام مثله، أو أن یدركوا معظم ما فیه من كنوز المقاصد والعلل، أو بالإشارات والحكم المتعلقة بالأحكام التكليفية في جوانب الحیاة المختلفة.
مقاصد نبيلة
** نود التعرف على بعض مظاهر الإعجاز التشريعي؟.
** جاء القرآن الكريم والسنة المطهرة بهدايات تامة كاملة تفي بحاجات البشر في كل عصر ومصر وفاء لا تظفر به في أي تشريع ولا في أي دين آخر، ويتجلى لك هذا إذا استعرضت المقاصد النبيلة التي رمى إليها القرآن في هدايته والتي نعرض عليك من تفاصيلها ما يأتي:
أولا: إصلاح العقائد عن طريق إرشاد الخلق إلى حقائق المبدأ والمعاد وما بينهما تحت عنوان الإيمان بالله تعالى وملائكته ورسله واليوم الآخر.
ثانيا: إصلاح العبادات عن طريق إرشاد الخلق إلى ما يُزكي النفوس ويغذي الأرواح ويقوم الإرادة ويفيد الفرد والمجموع منها.
ثالثا: إصلاح الأخلاق عن طريق إرشاد الخلق إلى فضائلهم وتنفيرهم من رذائلها في قصد واعتدال وعند حد وسط لا إفراط فيه ولا تفريط.
رابعا: إصلاح الاجتماع عن طريق إرشاد الخلق إلى توحيد صفوفهم ومحو العصبيات وإزالة الفوارق التي تباعد بينهم، وذلك بإشعارهم أنهم جنس واحد من نفس واحدة ومن عائلة واحدة أبوهم آدم وأمهم حواء، وأنه لا فضل لشعب على شعب، ولا لأحد على أحد إلا بالتقوى، وأنهم متساوون أمام الله ودينه وتشريعه متكافئون في الأفضلية وفي الحقوق والتبعات من غير استثناءات ولا امتيازات، وأن الإسلام عقد إخاء بينهم أقوى من إخاء النسب والعصب وأن لسانهم العام هو لسان هذا الدين ولسان كتابه لغة العرب وأنهم أمة واحدة يؤلف بينها المبدأ، ولا تفرقها الحدود الإقليمية ولا الفواصل السياسية والوضعية “وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ”.
خامسا: إصلاح السياسة أو الحكم الدولي عن طريق تقرير العدل المطلق والمساواة بين الناس ومراعاة الفضائل في الأحكام والمعاملات من الحق والعدل والوفاء بالعهود والرحمة والمواساة والمحبة واجتناب الرذائل من الظلم والغدر ونقض العهود والكذب والخيانة والغش وأكل أموال الناس بالباطل كالرشوة والربا والتجارة بالدين والخرافات.
سادسا: الإصلاح المالي عن طريق الدعوة إلى الاقتصاد وحماية المال من التلف والضياع ووجوب إنفاقه في وجوه البر وأداء الحقوق الخاصة والعامة والسعي المشروع.
سابعا: الإصلاح النسائي عن طريق حماية المرأة واحترامها وإعطائها جميع الحقوق الإنسانية والدينية والمدنية.
ثامنا: الإصلاح الحربي عن طريق تهذيب الحرب ووضعها على قواعد سليمة لخير الإنسانية في مبدئها وغايتها ووجوب التزام الرحمة فيها والوفاء بمعاهداتها وإيثار السلم عليها والاكتفاء بالجزية عند النصر والظفر فيها.
تاسعا: محاربة الاسترقاق في المستقبل وتحرير الرقيق الموجود بطرق شتى منها الترغيب العظيم في تحرير الرقاب وجعله كفارة للقتل وللظهار ولإفساد الصيام بطريقة فاحشة ولليمين الحانثة ولإيذاء المملوك باللطم أو الضرب.
عاشرا: تحرير العقول والأفكار ومنع الإكراه والاضطهاد والسيطرة الدينية القائمة على الاستبداد والغطرسة “فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ”
الإعجاز العددي
** ما رأيكم فيما يتم الترويج له حاليا فيما يطلق عليه بـ”الإعجاز العددي” في القرآن الكريم والسنة النبوية؟
** مع احترامنا للنوايا الطيبة لمن يتحدثون في هذا الإعجاز العددي إلا إننا نرفضه تماما، لأن النوايا الطيبة لا تكفي في الكلام في الإعجاز بل لابد من توافر الضوابط السابقة، وهي غير متوفرة في هذا لإعجاز العددي الذي به أخطاء تسيئ للإسلام وتضمنه اجتهادات وتفسيرات وربط الأرقام ببعضها بشكل غير علمي ولا يمثل حقيقة علمية يعتد عليها، وإنما هي اجتهادات وافتراضات تضر اكثر مما تفيد، ولهذا نحذر منها أو النرويج لها.