– أولياء أمور : أعباء إضافية تثقل ميزانية الأسرة .. وأغلب الأدوات “مع إيقاف التنفيذ”!
– د. إبراهيم محمد: لا بد من حلول جذرية من الحكومة لمواجهة ارتفاع الأسعار
د. عبدالعزيز آدم: “القائمة” لا علاقة لها بالعملية التعليمية
تحقيق – سمر هشام
مع اقتراب موعد بدء العام الدراسي، تبدأ رحلة الأسر مع ما يُعرف بـ”السابلايز” أو “المستلزمات المدرسية” التي تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى قائمة طويلة أشبه بـ”كشف تجهيز” يفرضه الواقع التعليمي، حيث لم يعد الأمر مقتصرًا على الكشاكيل والأقلام والحقائب كما كان في الماضي، بل اتسعت القائمة لتشمل أدوات تنظيمية، ومواد للتطهير والتعقيم وأدوات تنظيف ومناديل ورقية وأكياس قمامة، وأحيانًا مستلزمات فنية ورياضية.
ويرى أولياء الأمور أن طلبات “السابلايز” مبالغ فيها، مما تؤثر على ميزانية الأسرة مع ارتفاع الأسعار، فهي بالنسبة لهم تمثل أعباء إضافية تثقل ميزانية الأسرة مع بداية كل عام، ويضطر بعضهم لشراء الكماليات رغم ضيق الحال!
في حين تختلف وجهة نظر المدارس التي ترى أن “السابلايز” تسهل العملية التعليمية وتخفف الضغط عن المعلمين. وهكذا تتحول “السابلايز” من مجرد لوازم مدرسية إلى قضية اجتماعية واقتصادية تشغل الرأي العام في موسم المدارس.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هناك رقابة من وزارة التعليم على نوعية وكثرة هذه الطلبات؟؟
بداية يعبر أولياء أمور عن معاناتهم من هذه الطلبات المدرسية “السابلايز” التي تمثل لهم “بعبعًا” مع كل عام دراسي جديد، فتقول ياسمين صلاح: بصراحة أنا كل سنة بحس أني داخلة ماراثون مع “السابلايز”، القائمة طويلة وبها أشياء لا يستخدمها الطلاب، ومع ذلك مضطرين لشراء هذه الطلبات حتى لا يُحرج أولادنا في فصولهم.
وتلتقط خيط الحديث لميس أحمد، قائلة: الأسعار أصبحت مرتفعة جدا وهو ما يرهقني ويرهق ميزانية الأسرة جدا، خاصة لو لديك عدد من الأبناء في المدارس وفي مراحل مختلفة. وكل واحد منهم يريد طلباته كاملة.
أما أميرة محمد، فتروي مأساتها في البحث الطويل عما تريده المدرسة سواء كشاكيل أو أدوات أخرى، وفي النهاية لا تستخدم كل هذه الأشياء!
وترى هالة زكى، أن “السابلايز” تجاري أكتر منه تعليمي، كل مرة يغيروا القائمة، وهناك أشياء كثيرة ترجع لي كما هي دون استخدام، خلافا لما تمثله كثرة الأدوات والمشتريات من حيرة للأولاد!
وتقول سعاد سامى: أنا من كتر المعاناة قررت أشتري بالجملة وأقوم بتخزينها في البيت، حتى أصبحت أتفق مع أمهات زملاء أولادي، في تقسيم هذه الطلبات وفقا لاحتياجات كل طالب، وهذا أوفر في الوقت والمال.
تحدٍ كبير
يقول د. ابراهيم محمد على، أستاذ التربية بجامعة الأزهر: يشكل موسم العودة إلى المدارس تحديًا ماليًا كبيرًا للعديد من الأسر، حيث ترتفع أسعار المستلزمات المدرسية بشكل ملحوظ كل عام، وتشمل هذه المستلزمات كل ما يحتاجه الطالب من حقائب وأقلام ودفاتر وأدوات مكتبية، وملابس مدرسية وغيرها، ورغم أن هذه الأدوات هي أساسية لضمان استمرار العملية التعليمية، إلا أن تزايد أسعارها يضع الأسر في مأزق كبير كل عام، خاصة تلك التي لديها أكثر من طالب، فتتضاعف الأعباء وتصبح العودة إلى المدرسة عبئًا ثقيلًا عليهم.
ويرى د.ابراهيم أن الأسر من ذوي الدخل المحدود والمتوسط هي الأكثر تضررًا من هذه الأزمة، حيث تضطر إلى إعادة ترتيب أولوياتها المالية، وقد تلجأ إلى الاقتراض أو الاستغناء عن بعض الأساسيات الأخرى لتأمين متطلبات أبنائها، وفي بعض الأحيان قد يؤدي هذا الوضع إلى حرمان بعض الطلاب من شراء مستلزمات ضرورية، مما قد يؤثر على تحصيلهم الدراسي.
ويرجع د.ابراهيم، أسباب ارتفاع أسعار الأدوات المدرسية، إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب غلاء المواد الخام، وتأثر الأسواق بتقلبات أسعار الصرف، وارتفاع تكاليف الشحن، إضافة إلى عوامل موسمية تساهم في تفاقم المشكلة، فمع اقتراب بداية العام الدراسي يزداد الطلب على المستلزمات المدرسية بشكل كبير، وهو ما تستغله بعض المحلات التجارية لرفع الأسعار دون مبرر واضح، مستغلة حاجة الأسر الضرورية لشراء هذه المستلزمات؛ مما يزيد هذا السلوك التجاري غير الأخلاقي من معاناة الأسر، ويضعها تحت ضغط نفسي ومادي إضافي.
ويشير إلى أن أزمة أسعار المستلزمات المدرسية تبقى قضية تتطلب حلولًا جذرية وتضافر الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ففي الوقت الذي تعد فيه الحكومات بضبط الأسواق وتقديم الدعم، يستمر المواطن في مواجهة غلاء الأسعار، مما يؤكد الحاجة إلى سياسات اقتصادية تضمن استقرار الأسعار، وتدعم المنتجات المحلية، حيث يجب تفعيل آليات الرقابة على الأسواق وضبط الأسعار.
ويرى د.ابراهيم، أن الحل في مواجهة هذه المعاناة هو لجوء بعض الأسر إلى مجموعة من الحلول للتخفيف من وطأة الأعباء المالية، كإعادة تدوير الأدوات المدرسية من العام السابق واستخدام ما يمكن منها، أو شراء المستلزمات بكميات كبيرة بالجملة لتوفير المال، كما تحرص بعض الأسر على زيارة المعارض التي تقدم أسعارًا مخفضة.
مطالبًا في الوقت نفسه بضرورة إقامة المبادرات المجتمعية التي لها دور مهم في التخفيف من الأزمة على الأسر، حيث تطلق بعض الجمعيات الخيرية حملات لتوزيع الحقائب المدرسية مجانًا على الأسر الأكثر احتياجًا، مما يوفر عليهم جزءًا من العبء المالي.
ويطالب د. ابراهيم، المجتمع المدني بضرورة الاستمرار في تنظيم المبادرات الخيرية وتقديم الدعم للأسر الأكثر احتياجًا، حتى لا يتحول حق التعليم الأساسي إلى عبء مالي ثقيل، وتتمكن الأسر من توفير احتياجات أبنائها دون أن تضطر للتضحية بأولوياتها الحياتية الأخرى.
آثار نفسية
من جانبه يؤكد د. عبدالعزيز آدم، عضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية وأخصائي علم النفس السلوكي، أن قوائم المستلزمات الدراسية التي تسمى “السابلايز” واحدة من أبرز الظواهر التي تطفو على السطح مع اقتراب كل عام دراسي جديد، حيث تتحول إلى هاجس يطارد أولياء الأمور أكثر مما يشغل أبناءهم، وتستنفر طاقة الأسر استعدادًا لهذه المرحلة، فخلافًا للاستعداد المدرسي من شراء ملابس وأدوات مدرسية ومكتبية، يبقى العبء الأكبر متمثلًا في تلك القوائم المطولة التي تُرسلها المدارس إلى الأهالي، والتي أصبحت في كثير من الأحيان سببًا مباشرًا لمعاناة مالية ونفسية متفاقمة.
وقال: الغاية الأصلية من “السابلايز” واضحة ومحددة، وهي تزويد الطالب بما يساعده على التعلم والتركيز داخل الصف، عبر أدوات أساسية كالدفاتر والأقلام وبعض الألوان، لكن بمرور الوقت ومع اتساع الفجوة بين الواقع التربوي والممارسات الاستهلاكية، تتحول هذه القوائم إلى ما يشبه “سلة تسوق منزلية” مليئة بالعديد من البنود المبالغ فيها، تضم أدوات قد لا يستخدمها الطالب إطلاقًا، وأخرى كمالية مرتفعة الثمن، حتى صارت بعض الأسر تقف عاجزة أمامها كأنها أمام فاتورة باهظة لسلع لا علاقة لها بالعملية التعليمية.
ويتعجب د. آدم من طلبات بعض المدارس الخاصة التي تضع قوائم تتجاوز العشرين دفترًا بأحجام وألوان مختلفة، رغم أن الطالب في المرحلة الابتدائية لا يحتاج إلى نصفها، وهناك مدارس تطلب أدوات تنظيف ومعقمات ومناديل ورقية وأكياس قمامة، وفي بعض الأحيان تصل المبالغة إلى حد فرض علامات تجارية وماركات محددة للألوان أو الحقائب، ما يضاعف الكلفة ويحرم الأسرة من حرية الاختيار.
مؤكدًا أن هذه الممارسات تترك أثرًا مباشرًا على الأسر متوسطة ومحدودة الدخل، والنتيجة أن الفاتورة النهائية قد تبتلع نصف راتب شهري كامل، وربما أكثر إذا كان للأسرة أكثر من طفل في مراحل دراسية مختلفة.
ويوضح أن العبء المادي لا يتوقف عند حدود الحسابات، بل يمتد ليضغط على الحالة النفسية للأهل، فالأب أو الأم قد يشعران بالضيق والقلق بين خيارين؛ إما الاستدانة أو التضحية بمصاريف أساسية كالغذاء والفواتير لتلبية متطلبات المدرسة، أو الاعتذار عن شراء بعض البنود وتحمل استياء الأبناء أو مقارنتهم بما يمتلكه زملاؤهم، وفي كلتا الحالتين يولد الأمر إحساسًا بالعجز والقصور، ويزرع بداخل الأسرة توترًا قد يتطور إلى خلافات متكررة حول أولويات الإنفاق.
ويحذر د. آدم، من هذه الممارسات التي أصبحت شكاوى متكررة وليست مجرد حالات فردية نسمعها في كل عام دراسي، مما يدل على أن الظاهرة باتت عامة وتحتاج إلى تدخل جاد، مطالبًا الجهات التعليمية التي يقع على عاتقها مسئولية وضع معايير واضحة للقوائم، القيام بدورها في قصر الطلبات على المستلزمات الأساسية فقط.
يضيف: وعلى المدارس مسئولية كبيرة في إعادة النظر إلى رسالتها التربوية، فالمدرسة ليست مؤسسة استهلاكية هدفها تحميل الأهل أعباء إضافية، بل هي فضاء تربوي يُفترض أن يُهيئ بيئة تعليمية سليمة، مطالبًا أولياء الأمور بضرورة مواجهة الظاهرة من خلال التحرك الجماعي عبر مجالس أولياء الأمور أو الجمعيات المحلية لمناقشة إدارات المدارس بشأن البنود غير الضرورية، كما يمكنهم اللجوء إلى حلول عملية مثل تبادل الأدوات بين الأبناء أو شراء المستعمل بحالة جيدة.