الوصول كلمة يتداولها أهلُ الله من خلقه، فهو غاية الحبّ، وثمرة القُرب، لا يبلغه إلا من أدرك حقيقته، وعلِم أسراره، وذاقَ سبيله فعرِف ولزم بابه، نبَّهنا إلى سرِّه العارفون بالله، فقال أحدهم لإخوانه: “ما وصلت إلى الله تعالى بقيام ليل ولا صيام نهار ولا دراسة علم ولكن وصلت بالكَرَم والتواضع وسلامة الصدر” وهي أخلاق عالية يتذوّقها من وصَل.
إن الوصول معناه القُرب من الله الذي يتطلّب تزكية وترَقِّيًّا إلى المقامات السامية، وإذا بحثنا عن القُرب من الله كيف يُنال؟ وعن التزكية أين طريقها؟ وعن الترقّي في المقامات كيف يكون؟ فإن إجابة هذه الأسئلة تنتهي بنا إلى سبيل واحد وهو “باب الأخلاق”.. سرُّ الوصول هنا يبدو.. ونوره يظهر ولا يخبو.. إنها الأخلاق؛ سرُّ الوصول وبابه.. إنها الأخلاق الحسنة منهجا وسلوكا.. يكون الإنسان في دائرتها سخيّاً بأخلاقه.. ينشر نورها وينثر خيرها.
لقد حدَّثنا الله تعالى عن صنف من الناس أدرَك سرَّ الوصول فمنحهم الله شرَفًا وتكريمًا فأضافهم إليه وسمَّاهم “عباد الرحمن”.. والعجيب أنهم لم يصلوا بكثرة عبادته مع نعتهم بها ولكن وصلوا وسُمُّوا بعباد الرحمن لحُسن الخُلُق فقال سبحانه: “وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا” [الفرقان: 63] فوصلوا إلى ربِّهم بنشْرهم للسلام ولأخلاقيات الإسلام.
باب الوصول كما أدركت هو “الخُلُق الحَسَن” وهو باب له تجلّيات وأنوار وأسرار، فصاحبه يحوز على (الخيرية والحبّ مع القُرب والكمال والحُسن) أربعة أسرار يتلألأ نورُها في سلوك صاحبها.. إنها منظومة رُباعية قوامها وجوهرها وسرّها “الخُلُق الحَسَن” باب الوصول إلى الله سبحانه، الذي شُيِّد من هذه الأربعة:
أولًا: الخيرية، وسرّها ونورها كشف عنه الجناب المكرَّم- صلى الله عليه وسلم- حينما قال: “خياركم أحاسنكم أخلاقًا” لهذا كانت جُلَّ سنَّته عليه الصلاة والسلام حثًّا على مكارم الأخلاق.
ثانيًا: الحب ومعه القُرب، وسرّه ونوره كشف عنه أيضًا الجناب المعظّم في قوله: “إن أحبّكم إليَّ وأقربكم منّي مجلسًا يوم القيامة أحسنكم أخلاقًا”. حب وقُرب لجنابه الأفخم في يوم مشهود.. يبحث فيه الناس عن النجاة ويلوذون بالشفعاء، وصاحب الخُلُق الحَسَن ينشغل بالأنوار والأسرار.. حبًّا وقُرْبًا من صاحب الجناب الأكرم.
ثالثًا: الكمال؛ والمراد به: كمال الإيمان، وسرّه ونوره أطْلَعَنا عليه الجناب المكرَّم في قوله: “أكمل المؤمنين إيمانًا أحاسنهم أخلاقًا”. فالأخلاق الحسنة ترفع وتسمو بإيمان صاحبها، فيكون في صدارة المؤمنين.
رابعًا: الحُسن؛ أي: حُسْن الإسلام، وسرّه ونوره كشف عنه الجناب المعظَّم في قوله: “أحسن الناس إسلامًا أحسنهم أخلاقًا”. إن حُسن الإسلام هنا يتلاقى ويتعانق ويتواصل مع كمال الإيمان وهما يجتمعان في درَّة واحدة وهو “حُسْنُ الخُلُق”. ومن ثمَّ تزداد الأنوار، وندرك باب الوصول إلى الله وسرّه. وذلك عندما تتجلّى وتلامس قلوبنا وتتلبَّس جوارحنا بمنظومة الأنوار “حُسْن الخُلُق” فتنطلق أيقونة تُنتج خيرًا وحبًّا وقُربًا وإيمانًا كاملًا وإسلامًا حسنًا. ثم تنتهي بنا إلى باب الوصول إلى الله سبحانه، فَفُزْ بالأنوار وتعرَّض للأسرار تصل وتهنَأ في الدنيا وتنعَم في الآخرة.