د. روحية الجنش: يجوز عند الحاجة .. دون المتاجرة
د. فتحية الحنفى: لا مانع لأنها منفعة عامة
تحقيق: مروة غانم
مع بدء العام الدراسى وانتظام الطلاب بمدارسهم وجامعاتهم وتوفير وزارة التربية والتعليم والجامعات للمقرَّرات الدراسية وانتهاء المدرِّسين من إعداد ملازمهم الخاصة، وانتهاء المدارس الخاصة من توفير البوكليت المدرسى الخاص بكلّ مادة، مع توافر الكتب الخارجية بالمكتبات المختلفة، وذلك كلّه بمقابل مادى يدفعه الطالب للحصول على هذه الكتب وتلك الملازم.
لكن فى ظلّ غلاء المعيشة ومضاعفة الأسعار وعدم قُدرة البعض على الشراء وتوفير الكتب والملازم اللازمة لأبنائه، يلجأ عدد من الطلبة وأولياء أمورهم الى تصوير هذه الكتب وتلك المَلازِم وكذلك البوكليت المدرسى.
لذا تواصلنا مع أساتذة الفقه لمعرفة الحكم الشرعى فى هذا الموضوع الذى يهم عددا كبيرا من الأسر والطلاب.
فأكدت د. روحية مصطفى الجنش- أستاذ الفقه بجامعة الأزهر بالقاهرة- أن الحق سبحانه وتعالى أرشدنا إلى طلب العلم وأكّدت السنَّة النبوية على فضله إذا كان علما نافعا، سواء كان علم دين أو علوم إنسانية، بل قد يصبح طَلَبُه فريضة إذا احتاج الناس إليه.
ومن الوسائل المعينة على تحصيل العلم توافر الكتب الدراسية والملازم التعليمية التى تساعد الطالب على متابعة دروسه ومراجعة مادّته العلمية ليجتاز الامتحان بنجاح .
وأشارت الى أن المصادر التعليمية تتنوع ما بين كتب رسمية للوزارة، وكتب خارجية، ومراجعات المدرِّسين الخاصة والتى غالبا ما تكون ثمرة جهد شخصى أو مبادرة فردية وهذه تعدّ من حقوقهم الخاصة التى يجب احترامها، لكن قد يواجه الطلاب صعوبة فى اقتنائها أو دفع ثمنها، فيلجأ بعضهم إلى تصويرها أو تداول نسخ إلكترونية منها، أو حتى شراءها من مكتبات تقوم بطباعتها دون إذن المؤلِّف وهو ما يعتبر اعتداءً على حقوق الأساتذة وجهودهم .
حقّ المؤلِّف
وشدّدت د. روحية، على أن حقوق المؤلِّفين والأساتذة ودُور النشر حقوق مالية معتبَرَة شرعًا يَحْرُم الاعتداء عليها لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطِيْبِ نفسٍ منه”، موضحة أنه إذا كان الطالب غير قادر على شراء الكتاب أو الملْزَمة ولا سبيل عنده لتحصيل العلم إلا بالتصوير جاز له ذلك بقَدْر الحاجة، لأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، لكن دون الإتجار بهذه النسخ أو نشرها على نطاق واسع، فلا يجوز.
مشدِّدة على ضرورة أن يكون التصوير فرديا وللاستخدام الشخصى فى حدود الحاجة، فالأمر هنا جائز للحاجة مثل تعذُّر الحصول على نسخة مطبوعة أو كون الطالب مُعْسِرًا ولا يستطيع الشراء أو نفاد النسخة الأصلية من السوق، فى هذه الحالات يجوز التصوير بقدْر الحاجة مع عدم المُتاجرة بالنسخ المصوَّرة.
ولفتت إلى أن الطباعة التجارية واستنساخ ملازِم الأساتذة ومذكّراتهم أو البوكليت المدرسى وبيعها دون إذنهم فهذا محرَّم شرعًا ويدخل فى قوله تعالى: “ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل” (النساء: 29) وهو يعتبر من باب أكل أموال الناس بالباطل والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية وهذا يستوجب المنع والمساءلة القانونية سواء كَتَب المؤلِّف عبارة “حقوق الطبع محفوظة أم لا ” .
أشارت الى أن قيام المكتبات بتصوير كتب الأساتذة وملازِم المدرّسين غشٌّ للمؤلِّف والطالب لأنه يحرِم المؤلّف من حقّه المادى والمعنوى فى عمله ويعتبر غشًّا للطالب لأنه غالبا تُباع له نسخة غير معتمَدة وبجودة أقلّ، وهؤلاء ينطبق عليهم قول النبى: “من غشَّنا فليس منَّا”، وهذا نصٌّ صريح فى تحريم الغش بكل صوره، كما يعتبر أيضا تعاونا على الإثم والعدوان وقد نهانا الله عن ذلك فى قوله: “ولا تعاونوا على الإثم والعدوان“.
وطالبت د. الجنش، المكتبات ودور الطباعة بعدم استنساخ كتب الأساتذة أو “بوكْلِيْتَاتهم” إلا بإذن خطِّي منهم، كما طالبت بإلزام المكتبات داخل الحَرَم الجامعى والمدارس بعدم طباعة أو تصوير أى ملْزَمة أو مذكِّرة مراجعة بدون إذن صاحبها وإلا تتعرّض للمساءلة القانونية وغلْق منفذها فى الحَرَم الجامعى .
وأوصت بنشر ثقافة احترام حقوق الملكية الفكرية لدى الطلاب وأولياء الأمور، مع ترسيخ أن اقتناء النُسخة الأصلية من كتاب المعلِّم أو ملزَمَته ليس مجرّد التزام مادى بل هو صورة من صور تقدير مكانته ودعمه وإسهام مباشر فى استمرار عطائه وجهوده التعليمية وإقرار بحقِّه فى ثمرة علْمه وتعبه، هذا مع ضرورة دراسة حالات الطلاب غير القادرين وتوفير الكتب والملازِم لهم مجانا أو بسعر مدْعم حتى لا يضطروا للمخالَفة .
منفعة عامة
توافقها الرأى د. فتحية الحنفى- أستاذ الفقه بجامعة الأزهر- مؤكّدة أن كتب المدرسة التى تُصدرها وزارة التربية والتعليم تعتبر منفعة عامة ويجوز تصويرها دون إذن المدرسة ودون الرجوع إليها طالما أن المدرسة استغلّتها واتّخذتها بابًا للتكسُّب والتربُّح ومضاعفة السعر على الطلاب وأولياء أمورهم، وطالما أن الطالب يصوِّرها بشكل فردى وفى حاجة إليها. فى هذه الحالة لا غبار على الطالب وولي أمره إذا قام بطباعة هذه الكتب منفردا وبشكل شخصى مع توافر الحاجة إليها. لكن تصوير هذه الكتب وطباعتها من أجل الاتجار فيها فهذا لا يجوز شرعا .
أشارت إلى أنه إذا كانت الكتب المدرسية والبوكليت هما نتاج مجهود عدد من المدرِّسين والمتخصّصين فلا يجوز تصويره دون إذنهم.