لقد عُنِيَ القرآن الكريم بوحدة الصف عناية بالغة، وحذرنا تحذيرا شديدا من الفرقة والاختلاف والتنازع فيما بيننا، يقول الحق سبحانه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (آل عمران: ١٠٢ – ١٠٤).
وينبغي أن نلاحظ أن الآية السابقة على قوله سبحانه “واعتصموا” وجهت الخطاب للمؤمنين بأن يتقوا الله حق تقاته، وفي ذلك إشارة جلية إلى أن الاعتصام بحبل الله والتمسك بوحدة الصف جزء لا يتجزأ من هذه التقوى الواجبة، كما أن الآية التي تلت قوله تعالى: “واعتصموا” تحدثت عن ضرورة أن تكون هناك أمة منا أي مجموعة من المؤمنين تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وفي ذلك أيضا إشارة جلية إلى ضرورة الدعوة إلى وحدة الصف الداخلة في باب المعروف، والنهي عن الفرقة الداخلة في باب المنكر.
ثم ينهانا الحق سبحانه نهيا صريحا عن الفرقة والاختلاف ويحذر من سوء عاقبتهما، فيقول عز وجل: “وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۗ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ” (آل عمران: ١٠٥- ١٠٨).
وفي التعقيب بقوله تعالى: “يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ” وتفصيل القول في ذلك إشارة بالغة إلى أن المعتصمين بحبل الله تعالى المستمسكين بوحدة الصف هم ممن تبيض وجوههم يوم القيامة، وأن المتناحرين أهل الفرقة والاختلاف الخارجين على منهج الله عز وجل هم ممن تسود وجوههم يوم القيامة.
ويقول سبحانه: “وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ” (الأنفال: ٤٦)، ويقول: “وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ” (المؤمنون: ٥٢).
ويقول شاعرنا العربي:
تأبى الرياح إذا اجتمعن تكسرا
فإذا افترقن تكسرت آحادا
فالوحدة سبيل القوة، والفرقة والتشرذم سبيل الضعف والانهيار والسقوط، والعرب تقول في أمثالها: أكلت يوم أُكل الثور الأبيض، وتقول: إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، ولاسيما في زمن التكتلات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وفي عالم أشبه بعالم الغاب الذي لا يعرف إلا لغة القوة ونظرية البقاء للأقوى، ووجود عدو متغطرس متربص بدولنا ومنطقتنا العربية مدعوم بكل الأسلحة الفتاكة ممن لا يريدون لمنطقتنا الأمن والاستقرار، ويعملون على إضعافها وإسقاط دولها واحدة تلو الأخرى لإقامة ما يعرف بوهم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات بل إنّ مطامعهم الراهنة فاقت ذلك بكثير وراحوا يتحدثون عن سيادة المنطقة بأكملها.
فما أحوجنا في تلك الظروف الراهنة إلى وحدة صفنا العربي والإسلامي وأن نقف وقفة رجل واحد في مواجهة ما يحاك ويخطط لنا جميعا من أعدائنا، كما أن من واجبنا كمصريين أن نقف صفا واحدا خلف قيادتنا الحكيمة في الحفاظ على كل ذرة رمل من وطننا العزيز، فنحتاج إلى وحدة الصف على المستوى الوطني ووحدة الصف على المستوى العربي والإسلامي، حتى نواجه الأخطار والتحديات وعدوا غاشما لا يردعه سوى لغة القوة.