بقلم د. إيمان محمد عامر
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد أداة للتسلية والترفيه فحسب، بل غدت بيئة خصبة للإبداع والتعلم والتواصل الإيجابي، كما أصبحت وسيلة فعّالة للتعبير عن الذات والتسويق الشخصي والمؤسسي؛ نظرًا لقلة تكلفتها وسرعة انتشارها ووصولها إلى الجمهور.
غير أن هذا الفضاء الواسع لا يخلو من تحديات، إذ يواجه كثير من صُنّاع المحتوى ـ لاسيما المبتدئين ـ أنماطًا من السلوكيات المثبطة، وعلى رأسها التنمر الالكتروني الذي يعرف بأنه عبارة عن “سلوك عدواني متكرر ومتعمد يقوم به فرد أو مجموعة من الأفراد عبر أدوات الاتصال الالكتروني بهدف إلحاق الأذى بالغير”، حيث يتخفى هؤلاء ضعاف النفوس وراء الشاشات مستخدمين حساباتهم الشخصية أو حسابات وهمية لممارسة شتى ألوان الأذى على الآخرين ؛ كإرسال التعليقات السلبية والإهانات اللفظية ، أو إعادة نشر المحتوى بطريقة ساخرة، أو نشر الشائعات بهدف تشويه السمعة؛ استجابة منهم لدوافعهم الداخلية كالشعور بالغيرة ، وتضخم الذات، وحب التسلط والسيطرة على الغير، أو الرغبة في لفت الأنظار تعويضًا عن شعور بالنقص.
وللتنمر الالكتروني آثار جسيمة على الأفراد فقد يصيب الضحايا بمشاكل نفسية وجسدية مثل القلق والإحباط والاكتئاب وانخفاض تقدير الذات والإحساس بالعجز وضعف الأداء العملي، والعزلة الاجتماعية، بل قد يقود في بعض الأحيان إلى التفكير في الانتحار.
وهذه السلوكيات تتنافى تماماً مع المبادئ والقيم الإسلامية؛ حيث جاءت النصوص الكريمة آمرة بالتخلق بالأخلاق الحسنة، قال ﷺ :” المسلم مَنْ سلم المسلمون من لسانه ويده” الحديث، ناهية عن الأخلاق السيئة كالسخرية والتهكم والتحقير والتنابز بالألقاب ؛ قال تعالى:” يا أيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون” [الحجرات: 11] ، وقال ﷺ :” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله” الحديث
ولخطورة التنمر الإلكتروني وما يخلّفه من آثار مدمرة على الأفراد والمجتمعات؛ فإن مواجهته مسؤولية مشتركة تبدأ بالأسرة في بناء الثقة وتحصين الأبناء نفسيًا، وتمتد إلى المؤسسات التربوية والإعلامية عبر نشر الوعي وتقديم محتويات هادفة، إلى جانب التشريعات والقوانين التي تضمن بيئة رقمية آمنة يسودها الاحترام المتبادل.