إن الموقف من رفض تهجير الفلسطينيين صار ثابتا وموحّدا على كافة المستويات: المصرية، والعربية، والإسلامية، ويشكّل إجماعا نادرا غير مسبوق يقوم على اعتبارات الأمن القومي، والقانون الدولي، والالتزام الأخلاقي والديني.
ويأتى فى المقدّمة الموقف المصري الأكثر حساسية وصلابة، إذ تعتبر مصر أن أي محاولة لدفع الفلسطينيين قسْراً من قطاع غزة إلى سيناء هو تهديد مباشر لأمنها القومي. وقد أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي هذا الموقف بوضوح قاطع، مؤكّدا أن قضية التهجير خط أحمر، وأن تصفية القضية الفلسطينية لن يتم على حساب مصر، وأنه ظلم لا يمكن لمصر ان تشارك فيه.
وترى مصر في رفض التهجير حماية لحقِّ العودة، ولقضية إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967. إذ أن قبول التهجير يعني عمليا تصفية القضية وإلغاء حلم الدولة الفلسطينية المستقلّة، وهو ما رفضته مصر تاريخيا. والموقف المصري هو موقف حماية للحدود، ورفض لأي سيناريوهات تهدف إلى تفريغ الأرض من أهلها.
وعلى المستوى العربي الرسمي، هناك إجماع تاريخى على رفض التهجير، خاصة بعد التطوّرات الأخيرة، وقد تجسَّد هذا في عدّة قرارات: أدانت جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي أي خطط للتهجير القسري، واعتبرتها جريمة حرب وخرقا للقانون الدولي الإنساني.
تم الاتفاق على تسمية أي محاولة تهجير بـ”جريمة النكبة الثانية” أو “التطهير العرقي”، مما يضعها في إطار تاريخي وقانوني لا يمكن التراجع عنه.
أكدت الدول العربية أن قبول التهجير سيؤدي إلى توسيع دائرة الصراع وزعزعة الاستقرار في المنطقة بأسْرها، ولن يجلب الأمن لأي طرف.
ثم يأتي الدعم الإسلامي عبر منظمة التعاون الإسلامي والمؤسسات الدينية الكبرى ليعطي الموقف بُعدا روحيا وأخلاقيا، إذ ترتكز المنظمة فى رفضها للتهجير على قدسية الأرض الفلسطينية، وأن الدفاع عن الأقصى والمقدّسات هو واجب ديني وأخلاقي على الأمّة الإسلامية جمعاء.
وأصدرت هيئات الإفتاء والمؤسسات الدينية الكبرى، وعلى رأسها الأزهر، بيانات تحذّر وتدين التهجير القسري، وتؤكّد على حقّ الفلسطينيين الشرعي في البقاء في أراضيهم، وتحرِّم أي محاولات للاستيلاء على أراضيهم أو دفعهم للمغادرة.
ويوظّف الخطاب الإسلامي رفض التهجير لغرس الصبر والصمود ومقاومة اليأس في نفوس الفلسطينيين، مع التأكيد على مسئولية الأمّة تجاههم.
بإيجاز نستطيع القول: إن الموقف المصري “درع أمني”، والموقف العربي “مظلّة دبلوماسية”، والموقف الإسلامي “سند روحي”، ليؤكّدوا جميعا أن مصير الفلسطينيين يقرّره الشعب الفلسطيني على أرضه، وليس أي قوة خارجية تسعى لتصفية قضيته.
ولعلّ الأمة المصرية فى القلب من الأمّتين العربية والإسلامية تدرك حجم المؤامرة، وتتبنَّى مواقف حاسمة واضحة وصريحة، فى وجه قوى عظمى ـ والعظمة لله وحده ـ تريد إنفاذ رغبة حكومة الاحتلال الدموية المتطرّفة فى تهجير أهل غزة والتوسّع فى الاحتلال وابتلاع المزيد من الأراضى الفلسطينية، وتعلن أنها ماضية فى بناء المزيد من المستوطنات على الأراضي الفلسطينية التى فرضت السيطرة عليها بعد عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر 2023، التى جلبت كل هذا القتل، وذاك الدمار الذى لحق بغزة وأهلها، بما يؤكد أنها كانت عملية غير محسوبة العواقب، دون الخوض فى النوايا التى لا يعلمها إلا الله، وإنما العبرة بالنتائج على أرض الواقع، والأمل فى الله أولا وأخيرا أن يخلق لأهل غزّة منحة النصر من رحم المحنة، فهو وحده ولى ذلك والقادر عليه.