تمر الأيام والسنوات، وتبقى ذكرى السادس من أكتوبر 1973 محفورة في وجدان المصريين، لا باعتبارها مجرد انتصار عسكري غيّر موازين القوى في المنطقة، وإنما كقصَّة إنسانية خالدة جسَّدت وحدة وطن التفّ جيشٌ وشعبٌ حول هدف واحد، استعادة الأرض والكرامة وإنهاء أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”.
كانت سيناء بالنسبة للمصريين جُرحاً مفتوحاً منذ نكسة 1967، فقدان الأرض لم يكن مجرد خسارة جغرافية، بل كان نزيفاً في الوجدان الوطني، وحلماً يومياً في عيون الأمّهات والآباء الذين فقدوا أبناءهم في المعارك، وفي دعوات الجدّات التي لم تهدأ على أعتاب البيوت طلباً للنصر والعودة. وفي المدارس، كان التلاميذ يرسمون سيناء على الخرائط بالألوان، بينما يكتب المعلّمون (سنعبُر تحت راية وصيحات الله أكبر).
حين دقَّت ساعة الصفر، لم يكن الجندي المصري على الجبهة وحده، بل كان الوطن كله يقاتل معه، في المصانع، كانت الأيدي تعمل ليلاً ونهاراً لتصنيع السلاح والذخيرة، وفي البيوت، كانت الأمهات يودِّعن أبناءهن بالزغاريد والدموع معاً، وفي الحقول، كان الفلاحون يرسلون قوت يومهم دعماً للمقاتلين، وفي الجامعات والمدارس رفع الطلاب الشعارات وأطلقوا حملات التبرّع بالدّم، لقد تحوّل المجتمع المصري بأكمله إلى خلية نحْل، يكتب سطور ملحمة عنوانها: “الوحدة الوطنية”.
ذلك اليوم لم يكن مجرد مواجهة بين جيشين، بل كان لحظة إثبات أن الإرادة حين تتجسد في شعب، تصبح أقوى من أي سلاح. عبر الجنود قناة السويس في مشهد أسطوري، محطِّمين خط بارليف المنيع الذي روّج له العدو طويلاً باعتباره غير قابل للاختراق. وما إن رُفع العلم المصري على الضفة الشرقية للقناة، حتى أدرك العالم أن مصر استعادت ليس فقط أرضها، بل كرامتها ومكانتها.
ولعل أجمل ما بقي من نصر أكتوبر أنه لم يكن انتصاراً للجيش وحده، بل انتصار للإنسان المصري البسيط، الذي تحمّل الصعاب وقسوة الظروف، لكنه لم يفقد إيمانه بأن الأرض لا تعود إلا بالتضحيات.
اليوم، ونحن نستعيد ذكرى أكتوبر، فإننا لا نحتفل فقط بصفحة من التاريخ، بل نستلهم درساً متجدداً: أن الوحدة الوطنية بين الشعب والجيش هي السلاح الأقوى، وأن الأوطان لا تُحمى إلا إذا حملها أبناؤها في قلوبهم قبل أكتافهم.
لقد أثبتت حرب أكتوبر أن مصر كيان حي، ينبض بالعزيمة، ويستطيع أن ينهض مهما اشتدت عليه الأزمات. ولذا ستظل ذكرى أكتوبر بالنسبة لكل مصري ومصرية، رمزاً للكرامة والانتصار، ومصدراً دائماً للإلهام بأن الإرادة قادرة على صنع المعجزات.
كما سيظل نصر أكتوبر المجيد كابوسا للكيان الصهيوني، بالرغم من مرور السنوات، وأن سيناء حائط صد منيع لا يقترب منه، وأن كل خططه في تهجير سكان غزة من أرضهم بسلاح القتل أو التجويع لن تفلح، وسوف يكون النصر بإذن الله تعالى قريباً للشعب الفلسطيني ضد المحتل الذي بدأ يتهاوى بعد العزلة الدولية التي يتعرض لها الآن نتيجة الجرائم التي يرتكبها ومع تزايد الاعترافات بالدولة الفلسطينية.