الرئيس السيسي: حقٌّ الشعب الفلسطيني.. بعد كفاح طويل
حسام وهب الله
“الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلّة وتجسيدها على أرض الواقع ليس حُلمًا، بل تمسُّك بحقٍّ طال كفاح الشعب الفلسطيني من أجله، وساندته جميع شعوب العالم المحبِّة للسلام”.
الكلمات السابقة جزء من رسالة وجّهها الرئيس عبدالفتاح السيسي للعالَم في أعقاب الاعترافات المتتالية بدولة فلسطين.
كلمات الرئيس جسَّدت جانبا من الجهود المصرية الحثيثة التي امتدت منذ بداية الأزمة الفلسطينية وخاضت مصر من أجلها عدّة حروب متتالية هي حروب: (1948-1976- حرب الاستنزاف ـ حرب أكتوبر 1973) وظلّت مصر على موقفها الداعم للقضية الفلسطينية واستغلال ثقلها الدبلوماسي والسياسي الدوليين للتأكيد على ضرورة توقُّف إسرائيل عن اتّخاذ الاجراءات والسياسات أُحادية الجانب التي تُسهم في اندلاع أعمال العنف والقصف والدمار، وفي مقدّمتها أنشطة الاستيطان غير الشرعية في الضفّة الغربية والقدس الشرقية، خلافاً لاتفاقيات أوسلو والمرجعيات الدولية، وسياسات الطرد والإخلاء القسري للفلسطينيين بمدينة القدس، وتغيير الطابع الزماني والمكاني والديموغرافي والجغرافي للمدينة المقدَّسة والحَرَم الشريف وامتداداتهما.
وكذا محاولة فصل الضفّة الغربية عن قطاع غزّة سياسيا وجغرافياً، ومحاولة إحداث تغيير ديموغرافي داخل قطاع غزّة من خلال فصل شمال القطاع عن جنوبه وتهجير الفلسطينيين من شمال القطاع قسْرياً إلى جنوب القطاع.
تأكيد التاريخ
والتاريخ يؤكّد وقوف مصر منذ بداية أزمة فلسطين بجانب الشعب الفلسطيني، ففي عهد الرئيس أنور السادات- رجل الحرب والسلام- تحقق السلام بين الدولتين، وطالبت مصر بحلِّ الدولتين وضرورة الاعتراف المتبادَل بين إسرائيل وفلسطين ورجوع إسرائيل للحدود 1976م والتخلِّي عن الأراضي الفلسطينية التي استولت عليها وفي مقدّمتها القدس الشرقية، وفي سبعينيات القرن الماضي، واصلت القاهرة جهودها بقبول مبادرة “روجرز” 1970، والتي تضمّنت ضرورة إحلال السلام في المنطقة، وإجراء مفاوضات تحت إشراف مبعوث الأمم المتحدة للتوصّل إلى اتفاق نهائي، وكيفية تنفيذ القرار 242، بما في ذلك انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلّتها عام 1967.
وعزَّزت مصر جهودها في هذا الصدد، باقتراح الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فكرة إقامة حكومة فلسطينية مؤقّتة سبتمبر 1972، ردًّا على ادّعاءات جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك، بعدم وجود شعب فلسطيني.
وتوّج “السادات” جهود مصر التاريخية بإعلان مبادرته التاريخية وزيارة إسرائيل نوفمبر 1977، ليؤكّد أمام الكنيست الإسرائيلي مصداقية التوجّه المصري نحو السلام الشامل.
عهد مبارك
وفي عهد الرئيس حسني مبارك رفع شعار (الأرض مقابل السلام) وتمّ توقيع اتفاق الحكم الذاتي وانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية من المُدن الكبيرة، وتم رفع التمثيل الفلسطيني بالأمم المتحدة من مراقب الي عضو شبه دائم، وعُقدت عدّة مبادراتٍ واتفاقياتٍ لإحلال السلام وإيجاد حلٍّ سياسيٍ، ولكن لم يتحقّق شيءٌ على أرض الواقع واستمرت معاناة الفلسطينيين.
“السيسي” داعم فلسطين
أما الرئيس عبدالفتاح السيسي، فلم يترك مناسبة دون طرح القضية الفلسطينية والتأكيد المستمر خلال مقابلاته الدولية العديدة على موقف مصر الثابت والمدعوم بالتوافق الدولي بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة كسبيل وحيد لإرساء السلام والأمن والاستقرار للجميع، وهو الموقف الذي حظى بدعم وترحيب دوليين وإشادة الشعب المصري الذي يؤيِّد موقف القيادة السياسية تجاه القضية الفلسطينية التي هي قضية العرب جميعًا، والموقف التاريخي للرئيس السيسي في الوقوف بقوّة ضد تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الشعب الفلسطيني على حساب دول الجوار.
وشاركت مصر في ظلِّ قيادة الرئيس السيسي بفاعلية في مختلف الاجتماعات والمؤتمرات الدولية التي تناقش القضية الفلسطينية، وتسعى لعرض وجهة نظرها ودعوتها لحلٍّ عادل للصراع، وبذلت جهودا دبلوماسية مكثَّفة لإقناع الدول الداعمة لإسرائيل بضرورة الضغط عليها لوقف عدوانها على غزّة.
وأثنت العديد من الدول على دور مصر المحوري في جهود وقف إطلاق النار في غزّة، مشيدة بمساعيها الدؤوبة للتوصّل إلى حلٍّ سلمِيٍّ للصراع وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
وبالرغم من التحديات الكبيرة التي تضعها حكومة الاحتلال الإسرائيلي بقيادة المتطرّف بنيامين نتنياهو، فإن مصر مُصمِّمة على مواصلة جهودها الدبلوماسية المكثَّفة لوقف إطلاق النار في غزّة وتحقيق حلٍّ عادل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
دعم لا محدود
ويمثِّل الموقف المصري من الحرب في غزّة على مدار الفترة، حلقة في سلسلة طويلة من الدعم اللا محدود من الدولة المصرية لحقوق الشعب الفلسطيني لتأسيس دولته المستقلّة، خاصة موقف مصر الثابت والحازم من رفض سيناريو التهجير بشكل كامل وتحت أي ذريعة أو مبرِّر، وهو موقف سيُسجِّله التاريخ بأنه الضمانة الرئيسية لعدم تصفية القضية الفلسطينية.
جهود دبلوماسية
وقادت مصر جهودًا دبلوماسية مكثَّفة لحشد الدعم الدولى لحقوق الفلسطينيين، ففى مؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة لغزّة، دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى وقفٍ فورى وشامل لإطلاق النار، وإنهاء الحصار الإسرائيلى، وضمان تدفُّق المساعدات الإنسانية دون عوائق.
وشدَّد الرئيس، كذلك، في عدّة مرّات على ضرورة احترام القانون الدولى الإنسانى، وحماية المدنيين والبنية التحتية فى القطاع، مع دعوة المجتمع الدولى إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود ١٩٦٧ وعاصمتها القُدس الشرقية، باعتبار أن السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار فى المنطقة هو حلِّ الدولتين.
مواصلة التحرُّكات
وتواصل مصر تحرُّكاتها السياسية المكثَّفة لإنقاذ القضية الفلسطينية من أخطر التحديات التي تواجهها منذ عقود، في ظلّ محاولات إسرائيلية متصاعدة لتصفية القضية ووأد حلِّ الدولتين وتتنوّع هذه التحرّكات بين جهود ثنائية وأخرى متعدّدة الأطراف. فالموقف المصري من القضية الفلسطينية، ثابت ويرتكز على إصرار مصر على إقامة دولة فلسطينية مستقلّة وموحَّدة الأراضي على حدود الضفة الغربية وقطاع غزّة، إضافة إلى التأكيد على الرفض القاطع لأي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، سواء في غزّة أو الضفّة. ومثلما قادت حشد الدعم الدولي للاعتراف بدولة فلسطين، والتأكيد على أن هذا الاعتراف لا يمثِّل خطوة رمزية فحسب، فإنها تواصل جهودها بالتحرُّك الفعّال لمواجهة السياسات الإسرائيلية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية.
باختصار شديد يظل موقف مصر من القضية الفلسطينية ثابتًا لا يتغيَّر، مستندًا إلى مبادئ العدالة والحقوق المشروعة، ورغم التحديات الإقليمية والدولية، تواصل مصر جهودها السياسية والدبلوماسية والإغاثية لدعم الشعب الفلسطينى، ورفض أى محاولات لتصفية القضية أو تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وفى ظلّ استمرار العدوان الإسرائيلى تبرز مصر كـ”صوت قوى” مدافع عن الحقوق الفلسطينية، ومساند دائم لتحقيق السلام العادل والشامل فى المنطقة. ولهذا كان أهم أسباب الاعتراف الدولي المتتالي باستقلال دولة فلسطين والاعتراف بها بهذا الشكل الكبير خلال الأيام القليلة الماضية.