الزمن الذي نعيشه اليوم ليس زمناً عادياً. فالمشهد الدولي يزدحم بالتهديدات، صراعات مسلحة تشتعل في مناطق شتى، سباق تسلح متسارع، انهيار في بعض التحالفات، وانقسام حاد بين القوى الكبرى والعالم يقف – بلا مبالغة – على حافة حرب عالمية ثالثة قد تجر البشرية إلى كارثة غير مسبوقة. وفي ظل هذا الواقع المظلم، يصبح الإعلان عن افتتاح أكاديمية للرقص الشرقي في مصر نوعًا من الانفصال عن السياق العام، وكأننا يعيش في جزيرة معزولة عن الخطر الداهم ،وهو أمر يثير الكثير من علامات الاستفهام حول جدواه ومكانه وزمانه .
وعندما تُنشر أخبار مثل افتتاح أكاديمية للرقص الشرقي في وسائل الإعلام العالمية، فإنها لا تُقرأ بمعزل عن الأحداث. العالم ينظر إلينا من زاوية أولوياتنا: ماذا يهمنا في هذه المرحلة؟ ماذا نقدّم لشبابنا وأجيالنا؟ وهنا تظهر صورة سلبية أننا ننشغل باللهو والترف في زمن يحتاج إلى جدية وحزم. في المقابل، هناك أمم تبني مراكز أبحاث نووية، ومصانع أسلحة، ومنصات تكنولوجية متقدمة، بينما نُبرز نحن مؤسسة لتعليم الرقص وكأنها إنجاز قومي.
إذا كان لا بد من إنشاء أكاديميات فنية، فالأجدر أن تكون موجهة إلى الفنون التي تعزز القيم الوطنية والوعي الجمعي، مثل المسرح التوعوي، السينما الوثائقية، الفنون التشكيلية التي تُخلّد الهوية، والموسيقى الوطنية. هذه الفنون ترفع الوعي وتُعلي من شأن الانتماء، بينما الرقص الشرقي – في صورته التجارية السائدة – لا يحمل سوى دلالات استهلاكية تُستغل غالباً لأغراض بعيدة عن الثقافة الراسخة.
فالمواطن البسيط الذي يعاني من الغلاء، ومن مخاوف فقدان الأمن، ومن أزمة البطالة، حين يسمع عن افتتاح أكاديمية للرقص الشرقي، فإنه لا يرى في ذلك سوى عبث وإهدار للوقت والمال. وكأن هناك فجوة تتسع بين ما يريده الناس حقاً من أمن واستقرار وحياة كريمة، وبين ما يُطرح من مشروعات لا تعكس إلا انفصال بعض النخب عن واقع الشارع
الشباب اليوم يحتاج إلى قدوة ومسارات تبني شخصيته وتوسع آفاقه، وافتتاح أكاديمية للرقص الشرقي يعطي رسالة مغلوطة مفادها أن الرقص مهنة المستقبل، وأنه المجال الذي يمكن أن يجد فيه الشاب أو الفتاة نجاحاً وانتشاراً. بينما الواجب هو دفع الشباب إلى مجالات أكثر نفعاً مثل البحث العلمي، التكنولوجيا، الابتكار الصناعي، والرياضة الحقيقية التي تبني الجسد والانتماء.
إن افتتاح أكاديمية للرقص الشرقي في وقت يتأهب فيه العالم لحرب عالمية محتملة، هو قرار يكشف عن غياب البوصلة الاستراتيجية في إدارة الأولويات. إنه مشهد يجسد المفارقة بين ما يحتاجه الواقع من جدية، وما يُطرح فعلياً من مشروعات ترفيهية. النقد هنا لا يتوجه إلى الفن كقيمة إنسانية، وإنما إلى سوء اختيار التوقيت والسياق. ففي زمن السيف والبارود، لا مجال لإقامة الولائم الراقصة، وفي زمن التهديدات المصيرية، تصبح الفنون الجادة والتربية الوطنية والدفاعية هي الأولى بالرعاية. ولعلنا نعيد التفكير: كيف نُعرّف الثقافة التي نحتاجها الآن؟ هل هي ثقافة اللهو والرقص، أم ثقافة البناء والاستعداد؟ إن الإجابة الواضحة هي أن المرحلة تحتاج إلى وعي، لا إلى ترف، إلى قوة، لا إلى استعراض، وإلى فنون تبني الإنسان لا تستهلكه.