ونحن نعيشُ أجواءَ الاحتفال بذكرَى انتصارات أكتوبر المجيدة التي سطَّرها المصريون في السادس من أكتوبر ١٩٧٣م، الموافق العاشر من رمضان ١٣٩٣هـ، ونسترجع ذكريات النَّصر، ونَستَلْهِم الدروس والعِبَر التي لم ولن تنتهي، فمازالت هناك الكثير من الأسرار بل المُعجزات التي عاشها بل عايشها المصريون، سواء الذين كانوا على جبْهة الحرب أو في الجبْهة الداخلية، كالرّؤية التي سُرَّ بها فضيلة الإمام الأكبر د. عبدالحليم محمود- شيخ الأزهر الأسبق، رحمه الله- بعبور قناة السويس خلف سيّدنا رسول الله، وسارَع بـ”قَصِّها” على الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بالإضافة إلى العديد من المشاهِد والمواقف التي سَرَدها جنودُنا البواسل الذين خاضوا غِمار الحرب، وتجسَّدت معهم الآية الكريمة “فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” سورة الأنفال آية: ١٧.
لكن هذا كلّه لم يكن ليتحقّق أو يحدث لولا العودة الحقَّة إلى الله سبحانه وتعالى، والإيمان بل اليقين التام في نَصْره “وما النصر إلا من عند الله العزيز” جزء من الآية 126 سورة آل عمران والآية 10 سورة الأنفال. بعد التَهَيُّئ والاستعداد بكل ما مَلَك الشعب المصري العظيم وقتها، امتثالا لأمره عزَّ وجلَّ “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ” (الأنفال: 60).
فكان الإعداد والتجهيز والاستعداد شاملاً عامًّا لكلّ الجبهات الداخلية والخارجية، المادّية والمعنويّة، العلمية والعملية، الاجتماعية والإنسانية، وأهمّها عناصر التخطيط واستخدام الذكاء والدهاء، المَكْر والخديعة والتمْويه والتَعْمِيَة على العدو.
لكن الأهم في كل ذاك، الاصطفاف الوطني، والتماسُك الاجتماعي، وتغليب مصلحة الوطن على كلّ ما عدَاها من مصالح، فـ”لا صوت يعلو فوق صوت المعركة والانتصار”.
وهذا ما نحتاجه، بل نحن في أمسِّ الحاجة إليه في وقتنا الراهن، ليس فقط لاستعادة روح النصر والعبور في كلّ مجالات الحياة اليومية التي نعيشها، ونَصْبوا إليها في “الجمهورية الجديدة”، ولتحقيق “الحياة الكريمة” التي نَرْنوا إليها ويستحقّها المصريون. وليس أيضا للتغلُّب على التحديات والصعوبات التي وُضِعت وتوضَع في طريق تخلُّصنا من كَبْواتنا والانطلاق نحو مكانتنا اللائقة والمستحقَّة لمصرنا الحبيبة “أم الدنيا”.
وإنما إضافة لما سبق، نحتاج لمواجهة مخطَّطات إحياء الاستعمار القديم بعناصره وأدواته القبيحة، والتي تطلُّ علينا في ثوب جديد بادِّعاء وقف الإبادة الجماعية التي يُكابدها الشعب الفلسطيني الأعزَل من قِبل عصابات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم والبغيض، وإعادة إعمار غزّة بعد تهجير أهلها! بالمخطَّطات التي يتبنَّاها “أهوج ومجنون”، والذي يقوده نازي العصر الجديد النتن يا هو، وترمي لاستعادة الانتداب البريطاني على قطاع غزّة المُحْتَلّ بقيادة المعتمَد البريطاني الجديد توني بلير.
وزيادة في التنْكيت والتبْكيت، تنص المخططات على أن ذاك المعتمَد البريطاني المدعو بلير، سيقوم بمهامه الاستعمارية الجديدة من مقرِّه في سيناء!
فهل سمع العالَم المتحضّر من قَبل بمثل هذا الهُراء؟! والإسفاف بل البجاحة والعجْرفة والتكبُّر؟!
لكننا كمصريين يجب علينا ألا نستخِّف ولا نتهاون مع مثل هذه التُرَّاهات وأوهام المخابيل والمهابيل، لأنهم يملكون القُدرة التي تُعينهم على فرْض خُزعبلاتهم! أو على الأقلّ تعطيل مسيرتنا وخَلْقِ العراقيل أمام تقدُّمنا.
وبالتالي فعلينا استحضار روح أكتوبر بكلّ ما فيها من ترسيخ دعائم ومبادئ الإيمان بالله والوطن، لـ”تحيا مصر” كما أرادها الله لنا آمنة مُطمئنة سَخَاءً رخاءً، باعتبارها خزائن الأرض، فهو سبحانه وتعالى القائل، على لسان سيدنا يوسف: “فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ” (يوسف: 99).