لم يؤكد الإسلام على حرمة شيء تأكيده على حرمة الدماء وضرورة عصمتها، فقد استهل نبينا (صلى الله عليه وسلم) خطبته الجامعة في حجة الوداع بقوله: “إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا –أَوْ ضُلَّالًا– يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ” (صحيح مسلم)، وقال: ”لَا يَزَالُ الْمَرْءُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا” (المستدرك على الصحيحين)، وعن عَبْداللَّهِ بْن عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: “مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَك، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا” (سنن ابن ماجه), ويقول: “لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ” (سنن ابن ماجه)، وعنَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) أن النَّبِيِّ قَالَ: “مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا” (صحيح البخاري).
وقد نهى الإسلام عن قتل النفس عمدًا أو خطأ أو تسرعًا، يقول الحق سبحانه: ”وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا” (النساء: 92) .
أما القتل العمد فقد رتب عليه الإسلام ما رتب من الوعيد الشديد، يقول الحق سبحانه: “وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا” (النساء: 93) .
وردعًا لمن تسول له نفسه الإقدام على الدم الحرام شرع الإسلام القصاص، فقال سبحانه: “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة:179)، وقال: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (البقرة: 178), وجعل النفس بالنفس، والعين بالعين، والسن بالسن ، فقال: “وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (المائدة: 45).
فلا الدين ولا الإنسانية ولا الأخلاق ولا القيم ولا الأعراف ولا المواثيق الدولية ولا القوانين، سماوية كانت أم وضعية أم عرفية، تبيح قتل النفس أو إزهاقها أو الاعتداء عليها.
غير أننا أمام ظواهر شاذة تستحق وقفة متأنية ودراسات علمية ونفسية وأيدلوجية لهذه الوحشية التي أصابت بعض المنتمين إلى بني الإنسان تجاه الإنسان نفسه, فلم تعد له هذه الحرمة التي عرفها الطير قبل الإنسان على نحو ما قص علينا القرآن من شأن الغراب مع أخيه الغراب ليعطي درسًا إنسانيًا لبني البشر جميعًا في حرمة خلق الله، فما بالكم بمن كرمه الحق سبحانه فقال: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ” (الإسراء: ٧٠).