د. عثمان: الوحدة قوة.. والتفرق ضعف
د. البيومي: صانع المعجزات
د. الغفير: ضرورة قومية
د. القصبي: سر النجاح
كتبت- إسراء طلعت
مع حلول ذكرى نصر السادس من أكتوبر المجيد، تتجدد الدعوة للتأمل في قيمة التماسك الداخلي ودوره في حماية الأوطان، لا سيما في ظل ما يشهده العالم من صراعات وحروب واضطرابات سياسية واقتصادية، فالوحدة الوطنية والالتفاف حول الوطن تعد خط الدفاع الأول في مواجهة أي تهديدات أو مخاطر.
أكد عدد من علماء الأزهر والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية لـ”عقيدتي” أن قوة الشعوب لا تُقاس فقط بالعدة والعتاد، بل بتماسك صفوفها وصلابة جبهتها الداخلية، مستدلين بالقرآن والسنة والتجارب التاريخية للأمة الإسلامية.
وأجمع العلماء على أن التماسك الداخلي ليس مجرد شعار وطني، بل هو تكليف شرعي وضرورة حياتية، مستدلين بآيات القرآن، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ودروس التاريخ الإسلامي، وصولا إلى تجربة نصر أكتوبر المجيد، مشددين على أن الوطن القوي لا يُبنى فقط بالسلاح، بل بالقلوب المؤمنة المتماسكة التي ترى في وحدة الصف حصنا يحميها من الفتن والمخاطر.
أشار د. علي عثمان، عميد كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر، إلى أن التاريخ يعلمنا أن الأمم لا تنهزم إلا إذا تفرقت، ولا تنتصر إلا إذا توحدت، مشيرا إلى أنه بعد عصر الخلفاء الراشدين، حين دب الخلاف بين المسلمين، تمزقت الأمة، وصارت مطمعا للقوى الخارجية، لكن عندما وحد صلاح الدين الأيوبي الصفوف، استعاد المسلمون بيت المقدس، وعادت لهم العزة.
وأضاف: “هذا يوضح أن التماسك ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل هو سياج واقٍ يحمي الوطن من السقوط، والأمة التي لا تحافظ على جبهتها الداخلية تُفتح أبوابها للأعداء قبل أن يهاجموها بالسلاح، مشيرا إلى أنه في عصرنا الحاضر نرى بوضوح أن الدول التي انهارت فيها الجبهة الداخلية أصبحت مسرحا للفوضى والحروب، بينما الدول التي تمسكت بوحدتها بقيت مستقرة آمنة، وهذا ما يجب أن ندركه ونحن نحيي ذكرى نصر أكتوبر، أن سر النصر كان وحدة الصف بين الشعب والجيش والقيادة.
صف واحد
وقال د. محمد البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن نصر أكتوبر خير شاهد على أن التماسك الداخلي يصنع المعجزات، مؤكدا أن الجيش المصري لم يكن وحده في المعركة، بل الشعب كله كان في خندق واحد، مضيفا: “الفلاحون يزرعون ليوفروا الغذاء، والعمال يعملون في المصانع ليجهزوا السلاح، والعلماء يرفعون الروح المعنوية بخطبهم وكتاباتهم، كانت الأمة كلها صفًا واحدًا، ولذلك تحقق النصر”.
وأضاف: “الإسلام يجعل الدفاع عن الوطن عبادة عظيمة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد، وهذا الحديث يبين أن حماية الأوطان جزء من الدين، وأن التماسك الداخلي فريضة تُرضي الله عز وجل”.
وتابع: “علينا أن ندرك أن التماسك لا يقتصر على وقت الحرب فقط، بل هو واجب دائم في السلم والحرب معا، فإذا تماسك المجتمع، قاوم الفتن، وانتصر على المؤامرات، وحافظ على أمنه واستقراره. وإذا تفرقت كلمته، ضاع قوته، ولو كان يملك من السلاح ما يملك”.
فريضة شرعية
فيما قال د. ربيع الغفير، أستاذ بجامعة الأزهر، إن التماسك الداخلي فريضة شرعية قبل أن يكون ضرورة وطنية، فقد أمرنا الله بالاعتصام بحبله جميعًا ونهانا عن التفرق، فقال سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، مؤكدا أن هذه الآية الكريمة جمعت بين الأمر والنهي أمر بالاعتصام والوحدة فيما بيننا، ونهي عن التفرق، مما يدل على أن وحدة الصف واجبة لا يجوز التفريط فيها”.
وأكد أن الصحابة الكرام لم يحققوا الانتصارات الكبرى مثل بدر وفتح مكة ونصر حنين إلا حين كانوا على قلب رجل واحد، فالوحدة قوة والفرقة ضعف، فكما يقول الله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}، وهذه رسالة واضحة بأن التنازع يُفقد الأمة قوتها ويُضيع هيبتها، مؤكدا أن هذه الآية تكشف بوضوح أن النزاع الداخلي سبب مباشر للضعف وفقدان القوة، والتاريخ الإسلامي يؤكد هذا المعنى، فحين كان المسلمون صفا واحدا حققوا الانتصارات الكبرى كبدر واليرموك والقادسية، وحين دب الخلاف بينهم تجرأ الأعداء عليهم وسلبوا ديارهم.
وأكد د. الغفير أننا في واقعنا اليوم، نحن أحوج ما نكون إلى التماسك، فالمخاطر من حولنا كثيرة، وهناك قوى لا يرضيها استقرار هذا الوطن، متابعا: “لذلك فإن حماية الجبهة الداخلية عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله، لأنها صيانة للوطن الذي هو جزء من الدين”.
سر النجاح
وقال د. حسن القصبي، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، إن السيرة النبوية خير شاهد على أن التماسك الداخلي سر النجاح. فعندما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، لم يكن الأمر مجرد كلمات، بل أخوة عملية جعلت الغني يشارك الفقير، والقوي يساند الضعيف، فصاروا جميعا كالجسد الواحد
وأشار إلى أن وثيقة المدينة التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم تُعد أول دستور مدني يضمن التعايش ويصون وحدة الصف، حتى بين المسلمين وغير المسلمين، لأن الهدف كان بناء جبهة داخلية قوية تحمي الوطن الناشئ من الانهيار”.
واستشهد بما حدث غزوة الخندق، حين اجتمع المسلمون مع حلفائهم في مواجهة قوى الشر التي تحالفت ضد المدينة، فكان التماسك سببا في النصر رغم قلة الإمكانات، وكذلك في فتح مكة، دخل الناس في دين الله أفواجًا لأنهم رأوا نموذجا للأمة المتماسكة التي لا تضعف أمام الخلافات.
وأكد أننا في ظل الأحداث التي تدور حولنا الآن ونحن نحتفل بذكرى أكتوبر، يجب أن نتذكر أن التماسك ليس خيارا بل هو شرط للبقاء، وأن أي صوت يدعو للفرقة أو النزاع إنما يعمل ضد مصلحة الوطن وضد تعاليم الإسلام.