البطولة والدفاع عن الوطن.. حلم يراود الصغار
النصر رمز التضحية والفداء.. ورسالة تتوارثها الأجيال الأجيال
منى الصاوي
على الرغم من مرور أكثر من 52 عامًا على نصر أكتوبر المجيد، فإن صدى ذلك اليوم يظل حاضرًا بقوة في وجدان المصريين، ينتقل من جيل إلى جيل كقصة فخر لا تنتهي.
وإذا كان الكبار قد عاشوا لحظاته بالعرق والدم والتضحيات، فإن الصغار اليوم يستحضرونه ببراءتهم وخيالهم الواسع، يرونه في العلم الذي يرفرف بين أيديهم، وفي الأناشيد الوطنية التي ترددها حناجرهم صباح كل احتفال، وفي القصص التي يرويها الأهل والمعلمون عن يوم غيّر وجه التاريخ وأعاد لمصر هيبتها وكرامتها.
رمز الفرح والانتصار
يقول مازن حسام (8 سنوات) إنه ينتظر حلول أكتوبر ليشتري علمًا جديدًا لمصر ويحمله معه أينما ذهب. ويضيف بابتسامة بريئة: “بحب أمشي وأنا شايل العلم في المدرسة والشارع، بحس إني قوي وفخور”.
ورغم صغر سنه، فإنه يكرر ما يسمعه من والده: “الجيش انتصر وعبر القناة ورفع العلم”. ويشير إلى أن والده يحرص على أن يجلس معه لمتابعة البرامج الوثائقية التي تعرض بطولات الجيش المصري، موضحًا: “بابا يقول لي إن الجنود عبروا قناة السويس تحت النار، وده خلاني أحس إن الشجاعة مش كلام.. الشجاعة فعل وحب للبلد”.
ويرى مازن أن هذا اليوم لا يقتصر على الاحتفالات أو رفع الأعلام، بل هو درس في الفخر والانتماء، قائلًا: “نفسي أحافظ أنا وأصحابي على النصر اللي عمله الجيش زمان”.
الزي المموه
أما مصطفى حسام (12 سنة)، فيعتبر أن ارتداء الزي العسكري خلال احتفالات أكتوبر هو أجمل ما ينتظره كل عام، موضحًا: “أنا عندي لبس شبه لبس الجيش، وبحب ألبسه في طابور الصبح يوم 6 أكتوبر”.
ويضيف: “نفسي أكبر وأدخل الجيش، علشان أبقى زي أبطال العبور اللي رجعوا الأرض”.
ويتابع قائلًا إنه يحرص دائمًا على مشاهدة الأفلام الوثائقية التي تروي أحداث الحرب، ويشعر بالفخر كلما شاهد الجنود يعبرون القناة وسط صيحات “الله أكبر”: “لما بشوف المنظر ده بحس إن أي صعوبة ممكن نعديها لو وقفنا كلنا مع بعض زي زمان”.
ويرى مصطفى أن احتفالات النصر ليست مجرد فعاليات مدرسية، بل دروس متجددة في حب الوطن: “المدرسة بتخلينا نعمل أنشطة ونرسم العلم ونغني أغاني وطنية.. وأنا باعتبر ده أهم يوم في السنة، لأنه بيفكرنا إن مصر قوية ومحدش يقدر يهزمها طول ما في ناس بتحبها ومستعدة تضحي عشأنها”.
معركة رمزية
بدوره، يتحدث تيم محمد (11 سنة) عن نشاط مدرسي جعله يعيش تفاصيل الحرب كما لو كان أحد الجنود، قائلًا: “المدرسة جابت رمل وحطت علم، وعملنا تمثيل إننا جنود نزحف على الأرض ونرفع العلم”. ويضيف: “كنت بحس إني واحد من اللي عبروا القناة، وبقول الله أكبر زيهم”.
ويؤكد تيم أن هذه التجربة البسيطة زرعت في داخله إحساسًا بأن أكتوبر ليس مجرد ذكرى، بل معايشة حقيقية لقيمة التضحية والوحدة، لافتًا: “بحس إن الكل يبقى قلبه على البلد، حتى اللي ما عاشوش الحرب يحسوا إنهم شاركوا فيها”.
ويعتبر تيم أن قصص أكتوبر تقدم للأطفال دروسًا في المثابرة والتخطيط: “لما بسمع إن الجيش استعد سنين طويلة قبل الحرب، بتعلم إن النجاح محتاج صبر وتخطيط مش بس شجاعة في لحظة”، ويؤكد أن هذه القيم تجعله يرى النصر طريق حياة وليس مجرد تاريخ.
دبابة صغيرة
أما مروان محمد (9 سنوات)، فيستعيد ذكرى مؤثرة حين صنعت معلمته نموذجًا بسيطًا لدبابة من الكرتون وزينتها بعلم مصر. ويقول: “أنا كنت مبسوط جدًا لما شفت الدبابة والعلم، حسيت إن الجنود كانوا شجعان قوي”.
ويضيف: “بعدها قلت لماما إني عايز أبقى ضابط لما أكبر عشان أحمي البلد”، ويشير إلى أن صور الجنود وهم يعبرون القناة هي أكثر ما يلفت انتباهه خلال ذكرى أكتوبر: “بحس إنهم كانوا أبطال بجد، وإحنا لازم نفتكرهم كل سنة ونحافظ على البلد زي ما هم حافظوا عليها”.
ويؤكد أن الاحتفالات لا تعني له مجرد أغنيات أو ألعاب، بل فرصة للتفكير في معنى التضحية: “ماما دايمًا تقولي إن في جنود ما رجعوش بيوتهم علشان إحنا نعيش في أمان.. وأنا نفسي أبقى زيهم وأعمل حاجة كبيرة لمصر”.
ذكرى تتجدد
وهكذا، بين علم صغير في يد طفل، وزي مموه يرتديه آخر، وتجربة رمزية على أرض المدرسة، يظل انتصار أكتوبر حاضرًا في قلوب الصغار قبل الكبار. فالنصر الذي تحقق بدماء الأبطال لم يعد مجرد صفحة في كتاب التاريخ، بل بات رمزًا متجددًا للتضحية والفداء، ورسالة يتوارثها الأطفال جيلاً بعد جيل بأن مصر ستبقى قوية بأبنائها، لا يضعفها تحدٍّ ولا ينال من عزيمتها عدو.