د. كرم بهنسي: “التسلح بالوعي”.. لا يقل أهمية عن الآلة
د. سعد عبدالدايم: الوطنية سلوك وعمل.. لا شعارات
تحقيق: سمر هشام
اجمع العلماء فى ذكرى انتصار أكتوبر المجيد، أنه اليوم الذي أعاد للأمة كرامتها، فتجددت فيه مشاعر الاعتزاز ببطولات الجيش المصري الذي حطم أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”، ولم يكن النصر عسكريًا فحسب، بل كان أيضًا نصرًا إيمانيًا ومعنويًا؛ إذ لعبت الخطب الدينية دورًا بارزًا في شحذ همم الجنود، ورفع روحهم المعنوية، وتأكيد أن المعركة جهاد في سبيل الله والوطن، فالكلمة الصادقة من فوق المنابر، ورسائل العلماء والمشايخ، كانت سلاحًا موازيًا للبندقية والدبابة، تغذي القلوب باليقين، وتشعل الحماسة في النفوس، حتى أيقن الجنود أنهم يقاتلون من أجل قضية عادلة ومقدسة، فاندفعوا نحو النصر بعزيمة لا تلين.
يقول د. كرم بهنسي، من علماء الأزهر، يحتفل المصريون بذكرى نصر أكتوبر المجيد، هذا النصر المجيد الذي سطر فيه المحاربون ملحمة عز وافتخار من أجل تراب هذا الوطن، فقد قدّم الجنود أروع صور التضحية والفداء، وسجلوا صفحة مضيئة في تاريخ مصر الحديث.
الخُطب الحماسية
يضيف د. كرم: لم يقتصر النصر على الميدان العسكري فحسب بل كان للعلماء العاملين دور بارز في إلقاء الخُطب الحماسية، لحث الجنود على الجهاد والقتال في سبيل الله، ورفع الروح المعنوية التي لعبت دورًا حاسمًا في تحقيق هذا الإنجاز، فمنذ اللحظة الأولى، أدرك العلماء والمشايخ وعلى رأسهم شيخ الأزهر د. عبدالحليم محمود أهمية الخطب والدروس والمواعظ في رفع الروح المعنوية للجنود والمدنيين على حد سواء، فاستخدموا رسائل تحفيزية لتعزيز الثقة بالنفس وبالقيادة العسكرية، والحث على القيم الوطنية والدينية.
يشير د. كرم إلى أن هذه الرسائل التحفيزية ساهمت في شعور الجنود بأنهم يقاتلون من أجل قضية عادلة ومقدسة، مما كان له الأثر في تعزيز الروح المعنوية للجنود، وجعلهم أكثر استعدادًا للتضحية بحياتهم من أجل تراب هذا الوطن، وفي هذا اليوم العظيم العاشر من رمضان، يوم انتصر فيه الصائمون على عدوهم ونجحوا بعزيمة وإصرار على تحرير وطنهم من أيدى المغتصبين والمعتدين، ولم يقف هذا الشهر الكريم حجر عثرة أمام الجنود البواسل فى ساحة القتال، بل نجحوا فى اقتحام الحصون المنيعة والأسلاك الشائكة التى صدعنا بها العدو، واستطاعوا القضاء على المقولة الزائفة أن الجيش الإسرائيلى لا يقهر.
يستطرد: وقف المصريون على قلب رجل واحد في شهر كريم ارتفعت فيه صيحات “الله أكبر” مستنين بقول نبيهم “الله مولانا ولا مولى لهم” فكان النصر حليفا للمصريين، وكان شهر رمضان الكريم شاهدًا على تلاحم الجيش والشعب في ملحمة وطنية خالدة.
حب الوطن
ويوصى د.كرم في هذه الذكرى العطرة بضرورة أن نكون أوفياء أعظم ما يكون الوفاء للوطن، محبًّين أشد ما يكون الحب والانتصار له، وهذا الحب والانتصار يظهر في احترام أنظمته وقوانينه، وفي التشبث بكل ما يؤدي إلى وحدته وقوته اقتصاديا وثقافياً واجتماعياً، حب الوطن والانتصار له يظهر في المحافظة على منشآته ومنجزاته، الاهتمام بنظافته وجماله، إخلاص العامل في مصنعه ومتجره وعمله، والموظف في إدارته، والمعلم في مدرسته، حب الوطن والانتصار له يظهر في المحافظة على أمواله وثرواته، والمحافظة على أمنه واستقراره، بنشر القيم والأخلاق الفاضلة ونشر روح التسامح والمحبة والأخوة بين الجميع ونبذ أسباب الفرقة والخلاف والتمزق، والوقوف ضد الشائعات والاختلافات المذمومة، لأن الشائعات وخصوصاً مجهولةَ المصدر غالباً ما يكونُ مقصودُ مَن أطلقها متخفياً عن الأنظار للإضرار بالمجتمع في أمنه، أو اقتصاده، أو تلاحمهِ مع قيادته، أو ثقتهِ بعلمائه، لذلك كان على المسلم أن يحفظ لسانَه وأن يَرُد القضايا العامةَ المؤثِّرة في قضايا الوطن إلى أولي الأمر، لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾
ويطالب د. كرم، بضرورة أن نقف جميعاً صفا واحدا خلف قيادتنا الباسلة على قلب رجل واحد مستلهمين قوله تعالى: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” وقول النبي “مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ مَثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى”.
معركة إيمانية
ومن جانبه يؤكد د. سعد عبدالدايم الأزهرى، من علماء الأزهر، إن حرب السادس من أكتوبر العاشر من رمضان لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت معركة إيمانية، استندت إلى عقيدة راسخة وإيمان عميق بعدالة القضية، وإلى روح معنوية ارتفعت حتى عنان السماء، وهي حلقة من سلسلة الانتصارات المجيدة في تاريخ الأمة كغزوة بدر وفتح مكة ومعركة عين جالوت وغيرها من المعارك التي ارتبطت بشهر رمضان المبارك؛ لتدل على أن النصر للمسلمين في هذه المعارك جاء لقوة الإيمان المرتبط بالصيام لا لقوة الأبدان، فإن الأبدان تقوى بالإيمان، فالعقيدة الإيمانية لدى خير أجناد الأرض وهو الجندي المصري في حرب العاشر من رمضان جعلته يحطم الصعاب ويتغلب على المستحيلات.
شهر الانتصارات
ويقول د. سعد إن اختيار العاشر من رمضان ليكون موعدًا لانطلاق الحرب لم يكن مصادفة، فرمضان في الذاكرة الإسلامية، هو شهر الانتصارات الكبرى، ولهذا استدعى المصريون والعرب هذه الرمزية العميقة، فكان الصيام دافعًا للتحدي لا عائقًا، وكان الإيمان محفزًا للصبر والثبات، لا مجالًا للضعف. لقد امتزجت مشاعر الجنود الصائمين على الجبهة بالروحانية العالية، وكان ذلك ركيزةً في صمودهم وقدرتهم على تحمل مشاق المعركة، ولذلك تأكد أبطال العبور أن الله كان معهم في هذه المعركة، وذكروا أنهم رأوا أثر ذلك في المعركة، فكانوا يقاتلون من أجل الحق، ومن أجل تحرير الأرض والعرض، بل كانوا يشتاقون إلى الاستشهاد في سبيل الله، وهذا وحده كفيل بأن يمنحنا طاقة لا تنضب.
أضاف: لا يمكن أن نغفل الدور المعنوي للمنبر في المعركة؛ فلم يكن السلاح وحده سبب النصر، بل كانت الكلمة واحدة من أقوى أدوات المواجهة. حين وظفت الدولة المصرية الخطاب الديني بشكل ممنهج عبر المساجد والخطب لتأصيل فكرة الجهاد في سبيل الوطن، وربطت بين التضحية من أجل الأرض والإيمان بالله والدفاع عن المقدسات، ارتفعت أصوات الخطباء على المنابر وهم يرددون: «ومن يقاتل في سبيل الله فيُقتل أو يَغلب فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا»، فكانت تلك الكلمات تلهب القلوب وتغذي الروح.
أمل وإصرار
وأكد د. سعد؛ لم تقتصر آثار الخطاب على الجنود فحسب، بل امتدت إلى عموم الشعب الذي التفت حول معركته المصيرية بكل أمل وإصرار، وتمنى الشهادة في سبيل الله؛ فالشعب كله كان جزءًا من المعركة، وإن لم يحمل بعضهم السلاح، فإنهم وقفوا بجوار جيشهم وساعدوه بما استطاعوا، يساندونه ويقف في ظهره، كيدٍ واحدة ومن هذه الوحدة والتلاحم تحقق النصر.
وشدد د. سعد، على ضرورة أن نكون يدا واحدة مع جيشنا الباسل الآن ندافع عن وطننا في جميع المعارك والمكائد التي توضع أمامنا، لقد تغيرت طبيعة المعارك، لكن التحديات باقية، هناك معارك اقتصادية واجتماعية وثقافية، وغير ذلك من المعارك التي لا تقل في خطورتها عن معركة السلاح، واذا أردنا أن نواجه هذه المخاطر لننهض بوطننا لابد من زيادة الإيمان إذ هو الدرع الواقي للأمة.
ترجمة عملية
ويشير د. سعد، إلي أن الوطنية ليست مجرد حبٍ عاطفي، بل لابد من ترجمته إلى سلوك عام في جميع الأمور لننهض بوطننا، لذلك فإن الخطاب الديني لابد أن يقوم بدوره اليوم، كما كان بالأمس، ويجب أن تعود منابرنا لتكون صوتًا للحق، تدعو للعلم، والإنتاج، والتمسك بالأخلاق، وتقوية النسيج الوطني.
وأكد إن حرب أكتوبر كانت مثالًا حيًا على ما يمكن أن يحققه شعب يؤمن بقضيته، ويثق في نصر الله، ويعمل من أجل هدف واضح، فلنجعل من الإيمان سلاحًا لبناء المجتمع، ومن الدين طاقة تحفز على التنمية، ومن دروس أكتوبر نبراسًا في طريق المستقبل، وأقول للعدو المتربص بنا: وإن عدتم عدنا والله ناصرنا.