مجاهدات سيناء.. نساء خلدهن التاريخ
د. دينا الشربينى: آلاف تطوعن لمساندة الجيش فى 73
تحقيق: مروة غانم
كان للمرأة المصرية دور كبير فى دعم حرب أكتوبر والوقوف بجانب الجيش المصرى قبل بدء الحرب وأثنائها وحتى بعد انتهائها، حيث قامت بجمع التبرعات للجيش ومساندة أسر الشهداء والمصابين، فضلا عن دخولها مجال التمريض والتبرع بالدم. وقد وصل الحال ببعض النساء أن شاركن فى نقل الأسلحة وتفجير مواقع للعدو وجمع المعلومات عن العدو وإرسالها للقيادة المصرية، لكن للأسف الشديد يغفل الكثير منا هذا الدور العظيم للمرأة.
لذا نحاول إلقاء الضوء عليه تقديرا له واعترافا به وتخليدا لبعض النساء وما قدمن من خدمات جليلة للجيش المصرى.
تنوعت صور مشاركات المرأة فى حرب أكتوبر المجيدة، فقبل بدء الحرب قامت مجموعة من النساء بتكوين لجنة أطلقن عليها “صديقات القلم” كانت مهمتها ترجمة كل ما يكتب عن القضية المصرية وإرساله لمختلف الاتحادات والمنظمات النسائية فى دول العالم، من أجل تعريف المرأة فى العالم بحقيقة ما يدور بالشرق الأوسط وخاصة ما يحدث فى مصر من جرائم لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وردا على المغالطات التى ينشرها الاحتلال الإسرائيلى عن الأوضاع الداخلية وفضح أكاذيبه.
الدور التطوعى
وعندما بدأت الحرب برز دور المرأة التطوعى، فذهب عدد كبير منهن للمستشفيات من خلال الهلال الأحمر كى يساندن الجرحى والمصابين ويشاركن فى علاجهم، فضلا عن دعمهم نفسيا ورفع الروح المعنوية لهم, وليس هذا فحسب فقد قامت بعض النساء وعلى رأسهم السيدة جيهان السادات، زوجة الرئيس الراحل أنور السادات، بزيارات للمستشفيات للاطمئنان على الجرحى والمصابين ومؤازرتهم نفسيا، كما كانت تلتقى بالجنود على الجبهة حتى لقبت بـ”أم الأبطال” وكان يصاحبها مجموعة من زوجات الوزراء والمسؤولين يقمن بجمع التبرعات وشراء الملابس وكافة احتياجات الأسر التى فقدت عائلها فى الحرب وتقديمها لهن.
ولم تكتف المرأة بالتبرع بالوقت والمجهود والتعريف بالقضية المصرية بل قامت بعض العاملات البسيطات بالتبرع بجزء من أجرهن الشهرى لصالح المجهود الحربى.
شيخة المجاهدين
ولم يقتصر دور المرأة داخل البلاد بل وجدناها تذهب لجبهة القتال حيث شاركت بعض النساء السيناويات فى نقل الأسلحة والمعلومات لرجال المقاومة ومنهم “فرحانة سلامة” تلك المرأة السيناوية التى لقبت بـ”شيخة المجاهدين”، فكان لها دور عظيم ضد قوات الاحتلال الاسرائيلى خاصة بعد نكسة 67 وحتى نصر 73 فقد تطوعت بمنظمة “سيناء العربية” التى أسسها جهاز المخابرات وتدربت على نقل الرسائل والأوامر من قيادات الأمن فى القاهرة الى الضباط والقيادات فى سيناء، كما تدربت على حمل السلاح وعرفت جيدا طرق تفجير الديناميت وإشعال الفتيل، ونجحت فى تفجير قطار للعدو بمدينة العريش كان يحمل بضائع ومعدات بجانب بعض الأسلحة وعددا من الجنود الصهاينة، كما قامت بتفجير عدد من سيارات العدو بصحراء سيناء رغم التشديد الكبير من قبل قوات الاحتلال على الطرق والتفتيش الدقيق للجميع، فلم تخف ولم تهاب غطرسة الصهاينة وكانت تؤدى دورها المكلفة به على أكمل وجه وبشجاعة منقطعة النظير.
“فهيمة الهرش”
تعتبر أول امرأة يتم تجنيدها من قبل المخابرات الحربية بهدف رصد المواقع الإسرائيلية على الضفة الغربية وخط بارليف ومعرفة نوع السلاح وعدد القوات وكانت تحمل جهاز لا سلكى وتنتقل به من مكان الى أخر دون خوف, كما كانت تنقل التموين للجنود خلف الخطوط، وقامت بإيواء أحد الفدائيين فى منزلها بعدما حفرت حفرة له وغطته بأكوام من الحطب، وتم تكريمها من قبل الرئيس السادات هى وزوجها ومنحهما نوط الشجاعة من الطبقة الأولى.
حجر الأساس
وللتأصيل لهذا الموضوع أوضحت د. دينا علم الدين الشربينى، مدرس علم الإجتماع بإنسانية بنات الأزهر، أن المرأة تشكل حجر الأساس فى صمود المجتمع خلال الأزمات والحروب، فقد كان للمرأة المصرية دور عظيم فى حرب أكتوبر، كانت فى الخطوط الأمامية لتأمين احتياجات أسرتها وتعزيز التماسك المجتمعى من خلال تقديم الرعاية والدعم النفسى والاجتماعى، أو عبر المبادرات المجتمعية والمشاركة فى الأعمال التطوعية.
تضيف: كان للمرأة دور تربوى رائع، فكانت تحث أفراد أسرتها على التضحية بأرواحهم فداء للوطن, كما تحملت ويلات فقد الزوج والابن والأخ بعد نكسة 67 فأقبلت الفتيات على تعلم الفنون العسكرية، فقد بلغ عددهن 30 ألف فتاة من طالبات الجامعة والمعاهد العليا والمدارس الثانوية, وكان إعدادهن ليس من أجل الوقوف فى الصفوف الأولى للحرب بل تأهيلا للقيام بأعمال التمريض والإسعاف وإعداد الطعام والإمدادات والذخائر والأسلحة إلى جانب تأهيلهن لتعلم كيفية إعداد معسكرات الهجرة وتنظيمها وإخلاء المدن ووسائل الإنقاذ، لمساعدة الجيش فى التسليح وإعادة البناء بعد النكسة واستعدادا للحرب.
أشارت د. دينا، الى أن سجلات التطوع فى 73 ضمت آلاف الأسماء من النساء والفتيات اللاتى أسهمن فى التطوع والمساعدة فى حرب أكتوبر، حيث أوضحت إحدى التنظيمات النسائية أنه تم تدريب 13 ألف سيدة على أعمال الإسعاف والتمريض و9 آلاف متبرعة بالدم, أما الهلال الأحمر فقد ضم ألف عضوة أساسية مدربة تدريبا فنيا عاليا على أهبة الاستعداد للمشاركة, فالشعب المصرى بكل فئاته وطبقاته كان البطل الأول فى هذه الحرب، وكان صاحب النصر، فلم توجد أسرة مصرية لم تقدم شهيدا أو مصابا أو مقاتلا فى تلك الحرب.