بقلم: أ. د ثناء الشيخ
أستاذ ورئيس قسم التفسير وعلوم القرآن
بكلية البنات جامعة الأزهر
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد.
يجوز تولية المرأة بالمناصب ويدل عليه.. قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)أية 55 سورة النور
**والخطاب هنا للمؤمنين جميعا، وهؤلاء المؤمنين موعودون من الله إذا هم صدّقوا إيمانهم بالعمل الصالح- أن يستخلفهم فى الأرض و يجعلهم خلفاءه عليها، ويجعل إلى أيديهم السلطان المتمكن فيها ويمكنهم في كل المجالات رجالا ونساءا..
**وهذه الأية الكريمة دعوة لتولي الصالحين من الرجال والنساء،، ودعوا الناس إلى توحيده، والعمل بطاعته، وأمروا بما حثت عليه الشريعة، ونهوا عن المعاصي وجميع السيئات.
وتولي المرأة بدورها الفعال في تحقيق التنمية المستدامة في مجتمع ووطن يكفل لها كل الحقوق والواجبات التي كفلها الدستور لتحقيق الحماية الكاملة لها دون تمييز في الفرص العلمية والفقهية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية وغيرها من أنواع التمكين وتوليها المناصب ، التي تمكنها من الإرتقاء بقدراتها المتميزة وتحقيق ذاتها لتفيد وطنها على قدم وساق…
**وقد شاهدنا في عصرنا الحديث من تولية المرأة المصرية: في جميع المناصب والمجالات مثل الدوائر الانتخابية ورأينا منهن مرشحات لمجلس النواب ، وتولي بعض النساء المناصب القيادية في الهيئات القضائية وغيرها من المناصب العليا كوزيرة ومشاركتها في قوة العمل والإقتصاد مثل التولي الاقتصادي للمرأة المصرية كوزيرة للإقتصاد والسياسة الخارجية ونجد من التمكين الاجتماعي ، وزيرة الشئون الاجتماعية ، ووزيرة للهجرة وغيرها تقلدت المرأة المصرية في عصر التقدم العلمي مناصب عدة ، وهذا لإبراز دورها الفعال في خدمة الوطن بإخلاص ….
** ولايوجد نص واضح يحرم عمل المرأة وعدم تمكينها وتوليها المناصب للعمل بجد واجتهاد على قدم وساق ، للتعلم والتكسب والصلاة والعبادة ، بشرط أن تكون موفقة بين عملها في بيتها وبين نشر العلم والفضيلة وسعيا لطلب الرزق فلاتفرط في أمانتها ومسؤوليتها أمام الله ، ومع ذلك فالمرأة تستطيع أن تكون ربة منزل أو سيدة أعمال أوفقيهة ومفتية أو داعية بالإصلاح بم أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ،، ولكن تولي المرأة للمناصب، بضوابط تحفظ للمرأة حقوقها في العمل وحقوقها في الدين ،،وتمكين المرأة ليس تحريرها من عباءة الدين والإخلاق ، بل تمكينها فيما تقرر وبما تفكر وليس تجبرها وتمردها وتريسها على الأخرين باستعلاء ، بل للعمل والعلم للإرتقاء ومشاركة الأخرين بجانبها باتخاذ القرار كما قال تعالى ( وأمرهم شورى بينهم) هذا حقها وحق التولي الذي يفيد مكانها المكلف في هذه الحياة فهي من تملك قرارات الشجاعة والحق والعدل لمواجهة التحديات التي تواجهها بمساندتها للضعفاء …
ولذلك قررت الشريعة الإسلامية للمرأة من الحقوق ما جعلها على قدم المساواة مع الرجل كل ٌّ على حسب ما فطره االله تعالى عليه، وجعله أهلا له…. لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : النساء شقائق الرجال…
**والإسلام وضح أن تتولى المرأة للمناصب بأن تعمل على توظيف طاقتها وإمكانيتها ليس من أجل الشهرة والمادة وحب الرئاسة والسيطرة الكاذبة وحب الظهور في المجتمع ، فحسب ولكن من أجل التغيير والتنوير والإصلاح الأسري الإجتماعي ونصرة المظلومين وتطوير التعليم بم يناسب عصر التقدم العلمي ،،وإحياء مفاهيم ومباديئ الإسلام، ودورها الفعال في فن التواصل الاجتماعي لتعمل على تغيير ماأمكن بدورها الفاعل البناء في التربية والتعليم وغيرها من التخصصات المفيدة للفرد والمجتمع …والحكمة والتدبير وحسن السياسة للملك والثبات وقوة التحمل والصبر والإدارة الحنكة ،
وهذ كله مستمد من الشريعة الإسلامية العادلة الذي وفرته للمرأة من رعاية وأمان الذي جاء به القرآن الكريم وإحكام صريحة يحث بها المرأة كما الرجل سواء بسواء …
لذلك قرن الله عزوجل المرأة بجوار الرجل في العمل الصالح بقوله تعالى(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
كما جاء في الحديث الصحيح: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» . وفي الصحيح،أيضا-: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»
***فالمرأة المؤمنة بالله، المستقيمة على طريق الحق والهدى، هي أقوى الناس قوة، وأقدرهم على جني أطيب الثمرات وبهذا تكون لها السلطان المتمكن فيها في أي مجال .لأنها عرفت حقيقة الإيمان، وأدت ما يقتضيه الإيمان منها وجمعت بين أيديها الدنيا، والدين جميعا، فتكون لها العزة، ويكون لدينها الغلبة والتمكين، بإخلاصها وصدقها لله عزوجل…
** وتولي المرأة للمنصب والعمل على قدم وساق بجد واجتهاد وإخلاص بكل أنواعه ومجالاته جنبا إلى جنب بجوار الرجل أبعد مايكون بين الرجل والمرأة عن الصراع بل مساعدة كل منهما الأخر ، فوحدة الخطاب القرآني بينهما لم تميز بين تولي الرجل أو تولي المرأة فالتولي والتمكين في القرأن الكريم له معاني إيجابية ، وهي تمكن الإنسان من إقامة العدل ونشر الفضيلة والخيرات في الأرض ولايحمل أبدا الإستقواء والصراع وظلم الناس والتمييز بين الناس ..
***ونرى اليوم تولي للمرأة المصرية تقلدت بعض المناصب العلمية والمجتمعية كوزيرة وعميدة ومديرة وسفيرة وغيرها من المناصب التي أهلتها لخدمة المجتمع وكل ذلك يرجع إلى القيادة الحكيمة الرشيدة التي لاتفرق بين الرجل المرأة في المهام التي تخدم الدولة المصرية للفرد والمجتمع…..
***وعلى ذلك يجب حتما تولي المرأة المتخصصة في علمها وعملها ،على أنها دعوة للمجتمع الإسلامى أن يملأ كل ميادين العلم والعمل فى الحياة، وأن تأخذ كلّ امرأة متمكنة المكان المناسب لها، وأن تعمل فى الميدان الذي تمكن أن تعطى فيه أفضل ما تجود به ملكاتها وقدراتها، العقلية والجسدية.. وشرط واحد هو الذي ينبغى أن تكون عليه هي أن تخلص لعملها، وأن تعطيه كل جهدها، وأن تبذل له كل حولها وحيلتها، فى غير فتور، أو تهاون أو تقصير.. وإلا كان ذلك نفاقا منها، وكان خيانة، سواء بسواء، كالنفاق مع الله، والخيانة لرسول الله، وللمؤمنين وللمجتمع أجمعين..
قوله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) هي دعوة عامة للمبادرة والتولي للعمل للمرأة والرجل فى مجال الخير والإحسان.. وفى العمل فى هذا المجال يعرف العاملون بأعمالهم.. فالعمل هو مناط السعادة، لا الاعتذار عن التقصير ولا دعوى الجدّ والتشمير، وسيرى الله عملكم خيرا كان أو شرا، فيجب عليكم أن تراقبوه فى أعمالكم وتتذكروا أنه عليم بمقاصدكم ونياتكم سواء رجلا أو امرأة..
** وهكذا الإسلام، طريقه مفتوح دائما للعمل والتمكين لأصحاب النفوس الطيبة رجالا ونساءا، والقلوب السليمة، والعزائم الصادقة، يرتادون فيه منازل الرضوان، وينزلون منها حيث يبلغ جهدهم، وتحتمل عزائمهم.. وهكذا يدخل المسلمون جميعا، بل الناس جميعا، تحت قوله تعالى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ» .. ففى ذلك فليتنافس المتنافسون، ولهذا فليعمل العاملون المخلصون …فهذا لأهل السبق والإحسان…
**أهم أسباب تولي المرأة للمناصب، أهليتها للتكليف مثلها مثل الرجل سواء بسواء والمساواة في المسئولية والجزاء بالأعمال الصالحة أو الأعمال الطالحة
**نالت المرأة في الإسلام حقوقها كاملة غير منقوصة؛ إنسانيا، ودينيا، واجتماعيا،وعلميا، واقتصاديا، وسياسيا. وقد بسط الفقهاء تلك الحقوق في كتبهم بما يعد مفخرة للإسلام والمسلمين….
**من أهم وجوه التولي التي نالتها المرأة إنسانيا في الإسلام: مساوتها بالرجل في أصل الخلق والتكريم الإلهي، ومساواا بالرجل في حق الحياة.
** من أهم وجوه التولي التي نالتها المرأة اجتماعيا في الإسلام: تمكينها من حق التعليم والتعلم. وتمكينها من حق التعليم، وتمكينها من حق الفتوى. وتمكينها من حق اختيار الزوج…
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنامحـﷺـمد وأله وصحبه أجمعين
والحمدلله رب العالمين