دايان: إلى متى نكذب على الجنود في الجبهة؟!
هيرتزوج: كنا سنعيش أفضل حياة!
حسام وهب الله
يظل سماع ذكريات انتصار أكتوبر العظيم من على ألْسِنَةِ العدو المهزوم أمرًا ذى متعة خاصة لأنها تؤكّد عَظَمة الجندي المصري ونجاحه في تحقيق نصر ساحق على الجيش الإسرائيلي الذي ظلّ لفترة طويلة يزعم أنه الجيش الذي لا يُقهر فجاء جيش مصر العظيم ليصفع هذا الجيش صفعة مدوّية مازالت تُلقي بظلالها في كل دروس ومحاضرات الأكاديميات العسكرية الحديثة.
إسرائيل وحياة الألم
هذا العام على سبيل المثال قرّرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” طرح استفسار طريف على عدد من القيادات الإسرائيلية التي شاركت في حرب أكتوبر 1973 ومفاده: ماذا لو لم تحدث حرب أكتوبر؟ وكانت أطرف إجابة تلك التي جاءت على لسان ابراهام بورج- رئيس الكنيست الإسرائيلي السابق- الذي أجاب قائلا: إن الشعب الإسرائيلي كان سيحيا حياة بدون ألم سنوى لو لم تحدث حرب أكتوبر، فالكل يعلم أن ذكرى حرب أكتوبر تصيب كل اسرائيلي بحالة من الهلع التي لا يستطيع أحد إنكارها! ولو لم تُهزم إسرائيل على أيدي العرب لكنا اليوم نحيا حياة لاهية دون مصائب! ولابد أن نعترف أن اسرائيل أيضا فقدت- بسبب حرب اكتوبر- المشروع الأهم فى تاريخها وهو مشروع الحلم الصهيوني الكبير.
أما الوزيرة الإسرائيلية السابقة “تسيبي ليفني” والتي كان عمرها 15 عاما إبّان الحرب ومازالت طالبة في الثانوية، تقول: إنها كانت خارج المنزل وسمعت إحدى صديقاتها تخبرها أن “الحرب بدأت”، والمصريون هاجموا سيناء، فاعتقدت في البداية أنها إشاعة لكن عندما عادت إلى المنزل ووجدت جميع الجيران في حالة انهيار وذهول مما يجري، عندها تأكدت أن الحرب ليست إشاعة ولكنها حقيقة، فتوجّهت إلى الراديو مذعورة، وسمعت الأخبار التي تؤكّد نجاح العرب في الهجوم، كما رأت الحزن على وجوه أُسرتها، وكانت نظرات الرُّعب والخوف تطلّ من عيون الجميع! ومنذ ذلك الوقت قرّرت أن تعمل على مساعدة اسرائيل لعدم حدوث حرب أخرى وألا ترى الخوف والهلع في عيون الجميع مجدَّدا، فقرّرت الانضمام إلى المخابرات الإسرائيلية، والعمل بكل قوّة على حماية إسرائيل.
“دايان” ينهار
ورصدت الصحيفة العبرية كذلك ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك موشيه دايان، في مؤتمر صحفي عقده في التاسع من أكتوبر وقال فيه بالحرف الواحد: إن الموقف يزداد سوءاً وإننا نضطر إلى حجب الحقائق عن الشعب الإسرائيلي بل حتى عن الجنود الإسرائيليين في الجبهة فنقول للمقاتلين على الجبهة المصرية: إن الجيش الإسرائيلي يحقّق نجاحات على الجبهة السورية. ونقول للمقاتلين في الجبهة السورية العكس! لكن الحقيقة فإن الجيش الإسرائيلي يعاني على كلتا الجبهتين”.
ولأن المؤتمر الصحفي كان يُبثّ على الهواء مباشرة اضّطرت رئيس الحكومة الإسرائيلية “جولدا مائير” لمنع “دايان” ورئيس أركانه من الحديث لوسائل الإعلام مرّة أخرى وتكليف متحدّث عسكري لَبِق لعرض الموجز العسكري بشكل يومي منعاً لانهيار الجبهة الداخلية في اسرائيل.
أسرار مثيرة!
وفى كتاب له بعنوان “إخوتى أبطال المجد” كشف الصحفى الإسرائيلى إيلان كافيير أسرارا مثيرة عن الجبهة الإسرائيلية، أبرزها قيام كتيبة دبابات إسرائيلية بفتح النيران عن قُرب على مجموعة من الجنود الإسرائيليين، وقتل بعضهم وجرح الآخرين بدم بارد كما قال أحد الناجيين لمجرد اعتقاد جنود الكتيبة، بأن الجنود المقابلين لهم هم جنود فرّوا من الجيش المصرى، ونقل الكتاب عن أحد الناجين وهو “موشيه ليفى” قوله: إنه لم يشفع للجنود الإسرائيليين كونهم عُزَّلا لا يحملون أى سلاح ويتحدّثون العبرية بطلاقة، ويعرفون أسماء قادة الكتائب الإسرائيلية، فقد فتح رِفاقهم عليهم النار لأنهم اعتقدوا بأنهم عرب!
الركض في المستنقع
وسرَد “ليفى” ما حدث قائلا: فى اليوم الثانى لحرب أكتوبر وجدت كتيبة دبابات إسرائيلية نفسها، تواجه مئات الجنود المصريين فى الجهة الشمالية للقناة، وكان يقود إحدى الدبّابات العرّيف أول “شلومو أرمان” وقد أصيبت دبّابته بنيران مصرية، فانتقل مع جنوده إلى دبّابة “موشيه ليفى” إلا أن صاروخا “أر بى جى” مصريا أصاب الدبابة فقفز ركّابها إلى المستنقع وبدأوا بالهرب، فقد كان المصريون يطلقون علينا النار ونحن نركض فى المستنقع وتخلّصنا من متاعنا وأسلحتنا كى نتمكّن من التحرّك بسهولة ولما تعبنا من السير بدأنا الزحف، وكان “أرمان” يتذوّق رمال المستنقع ويقودنا على مدى 8 إلى 9 ساعات، لأنه كان الوحيد المُلِم بتفاصيل المنطقة، وبعد ساعات طويلة وشاقّة، وصلنا إلى حيث توجد كتيبة دبابات إسرائيلية ووقفنا على بعد 15 متراً من الدبابات لكن طاقمها لم يتعرّف علينا، وصرخ فيهم “شلومو” بأننا طاقم دبّابة إسرائيلية هربنا من المصريين، فسألونا من أنتم ومن أين جئتم؟ وقلنا لهم بالعبرية: إننا من الكتيبة “ل” فقالوا لا توجد كتيبة كهذه، ثم بدأوا بإطلاق النيران علينا من ثلاث دبّابات وأصيب بعضنا بجراح بالغة منهم أنا وشلومو، وسمعتهم يقولون فى جهاز الاتصال إنهم قتلوا أفراد كتيبة من العدو!
أما آرييل شارون، قائد فرقة ضباط احتياط أثناء حرب أكتوبر 1973، قال في لقاء تلفزيوني: لقد كنت على الجبهة طوال كل تلك الأيام الرهيبة، وبعد أن حاولت مرارا أن أقنعهم أنه لا ينبغي عبور القناة، فقد نفّذت الهجوم ودفعنا الثمن الفظيع الذي دفعناه، لقد كانت حركة عبور القناة لا داعي لها، وهنا برز أحد الأخطاء الكبرى التي سادت الجبهة بعد بداية الحرب وهي أن المستوى العسكري الأعلى لم يُقدِر حينئذ أنه بعد عبور القناة بقوة كبيرة كتلك التي نفّذها المصريون أدّت إلى رفع الروح المعنوية لديهم وانخفاضها لدينا، لقد تكبَّدنا خسائر فادحة وخسرت في فرقتي قرابة 300 قتيل.
ظلُّ الكآبة
“أروي بن أري” مساعد قائد جبهة سيناء في جيش إسرائيل، قال حول ما حدث فى حرب أكتوبر «في الساعات الأولي لهجوم الجيش المصري كان شعورنا مخيفا لأننا كنا نشعر أننا نزداد صِغَرًا والجيش المصري يزداد كِبَرًا والفشل سيفتح الطريق إلى تل أبيب».
واستطرد: «في يوم 7 أكتوبر خيَّم على إسرائيل ظلُّ الكآبة ومنذ فجر ذلك اليوم وحتى غروب الشمس كان مصير إسرائيل متوقّفا علي قُدرة صدِّها لهجوم مصر وسوريا»، وأكّد أنه خلال الـ25 عاما منذ 1948 وحتى 1973 لم تتعرّض إسرائيل لخطر الدمار بصورة ملموسة كما حدث في ذلك اليوم المصيري.
خبراء العالم
وإذا كانت هذه اعترافات قادة إسرائيل، فإن شهادات خبراء الحرب العالميين أيضا، تؤكّد أن انتصارات أكتوبر كانت معجزة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد أكّد الجنرال “أندريه بوفر” الفرنسى أبرز فلاسفة الحرب المعاصرين فى ندوة عقدها بأكاديمية ناصر العسكرية العليا فى 15 نوفمبر 1973، أن الشلَل أصاب إسرائيل فى الفترة الأولى من الحرب، وأريد أن أبدى إعجابى الشديد بالعمل الذى أنجزته القوَّات المسلَّحة المصرية والتقدُّم الذى أظهرته فى الميدان.