في 6 أكتوبر 1973م، كتب المصريون واحدة من أعظم صفحات المجد في تاريخهم الحديث، فلم يكن ذلك النصر العسكري فحسب، بل كان تجسيدًا حيًا لإرادة شعب، وإيمان أمة، وتلاحم جيش ومواطنين في معركة استرداد الكرامة وكسر حاجز الهزيمة النفسية التي خلّفتها نكسة 1967.
لقد خاضت مصر حرب أكتوبر بروح تختلف عن أي معركة سابقة، حيث كانت الروح الإيمانية هي الوقود الحقيقي الذي دفع الجنود لتجاوز كل الصعاب.
فمنذ اللحظة الأولى، صدَحت مكبِّرات الصوت بتكبيرات “الله أكبر”، إيذانًا ببدء العبور العظيم، وكان وقْعها في القلوب أقوى من صوت المدافع. هذه اللحظة لم تكن مجرد إعلان بداية معركة، بل كانت تجديدًا للعهد مع الله على النصر أو الشهادة، “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ”.
قاتَل الجندي المصري على ضفاف قناة السويس بروح مفعمة بالإيمان، مدفوعًا بعقيدة راسخة أن الأرض عِرض، والدفاع عنها فريضة، ولم يكن يحمل السلاح فقط، بل كان يحمل دعاء أمِّه، ونظرة أمل من أبيه، ورسالة دعم من طفل صغير رسَم على ورقته “ارجع بالسلامة يا بطل”.
لقد شكَّل الشعب المصري جبهة دعم لا تقلّ أهمية عن جبهة القتال، حيث امتزجت دماء الشهداء بعَرَق الفلاحين الذين واصلوا الزراعة لتوفير الطعام، وبجهود العمّال الذين ضاعفوا الإنتاج رغم ظروف الحرب.
وفي المساجد، علَت الدعوات في الركعات والسجَدات، راجية من الله أن ينصر الحقّ، فلم تكن حربًا تقليدية فقط، بل كانت معركة روحية أيضًا، جسَّدت المعنى الحقيقي للجهاد في سبيل الوطن.
لقد لعبت الروح المعنوية العالية للجنود دورًا حاسمًا في حسم المعركة، وكان كل جندي يشعر أن وراءه أمَّة كاملة تؤمن به وتدعمه، وأن ما يقوم به ليس فقط من أجل الأرض، بل من أجل الأجيال القادمة التي يجب أن تنشأ في وطنٍ حُرٍّ كريم.
وأثبت الشعب المصري في تلك الأيام أنه على قدَّر التحدي، من التبرّعات البسيطة التي قدّمها المواطنون لدعم المجهود الحربي، إلى طوابير المتطوّعين الذين لبوا نداء الوطن، فكانت مصر كلها تقاتل، ولم تكن حرب الجيش وحده، بل كانت حرب الشعب بكل طوائفه.
إن نصر أكتوبر لم يكن نصرًا عسكريًا فقط، بل كان نصرًا للإيمان والإرادة والوحدة الوطنية، ولقّن المصريون العالَم درسًا في كيف تنتصر الأُمم حين تتوحَّد تحت راية واحدة “الكرامة والإيمان”.
وبعد أكثر من خمسين عامًا، ما زال هذا النصر المجيد ينبض في وجدان المصريين، مصدرًا للفخر والإلهام، ودليلًا على أن الإيمان بالحقّ، والاعتماد على الله، ثم التوكُّل على سواعد الشرفاء، كفيل بتحقيق المعجزات.
وختاماً تحية تقدير وعرفان لشهداء الوطن الذي ارتوت أرض سيناء بدمائهم دفاعاً عن الأرض والعِرض، وهم الآن في منزلة عالية عند ربِّهم الذي قال: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ”.





























