بقلم الداعية
د. نيفين مختار
عجبتُ لك يا زمان، أرى ما لم أره من البَشَر فى أى وقت كان، تُحْسِنُ إليهم ويُنكرون معروفك على الدوام! تبذل قصارَى جهدَك لإسعادهم ويتفنَّنون فى حُزْنِك وآهاتِك طوال الأيام! يفتعلون معك المشاكِل ويخطِّطون للحطِّ من شأنك! وعندما تثور لكرامَتِك يفعلون معك لعبة باتت سخيفة فى هذا الزمان، وهى لعبة قلب الترابيزة أو قولوا قلْب الحقائق! وينفعلون عليك ويدَّعون أنك من تُخطىء فى حقِّهم فقط لأنك أردَّتَ أن ترُدَّ لكرامَتك حقَّها! ما هذا الهُراء والعَبَث الذى أصبحنا نعيش فيه؟! لقد علِمنا من كتاب الله آية لو طبَّقها الناس لبَات الكلُّ فى راحة شديدة واطمئنان، لقد قال سبحانه: (هل جزاء الإحسانِ إلا الإحسان) هذا هو الأصل، وهذا ما يجب أن يكون عليه الناس، أنه إذا أحسنَ إليك شخصٌ على الدوام فيجب أن تكون له شاكرا، ممتَنًّا، وَدُودًا، تُحسن إليه أنتَ أيضا فى معاملاتك ويكون أسلوبك مهذَّبًا رقيقًا وليس غليظًا شديدًا، فالله سبحانه يحبُّ العبدَ الَّليِّن السَهْل فى التعامُل لأن غليظ الطبْع يفرُّ الناسُ منه ويتجنَّبون مجالَسته كما قال سبحانه: {فَبِمَا رَحۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ}، فالناس إذا لم تستشعر الراحة النفسية فى الجلوس مع الأشخاص المُحيطة بها سيبتعدون حتمًا لأن الحياة لا تحتمل الضغوط العصبية وعدم الاستقرار النفسى، هذا فوق ما يمُر به الإنسانُ من ضغوطات الحياة الماثِلة أمامنا الآن.
لذا مقالى اليوم لمن يُنكرون معروف الآخرين ويحطُّوا من شأنِهم ويتعمَّدوا جرْحهم، أرجوكم ضمِّدوا الجِراح بينكم قبل فوات الأوان، لأن لكلِّ إنسانٍ قُدْرَة على الاحتمال، ولا تتصوَّروا أن الشخص الطيّب الذى يُقدِّم تنازلات دائمًا كى يُرضى فقط ربَّه، أنه سيظل دائما يُعطى ويتحمَّل، بل سيأتى وقتٌ يَهْدِمُ فيه تلك العلاقات المريرة التى تُسَمِّمُ حياته حتى يستطيع أن يعيش فى سلامٍ وينجو بنفسه مِن براثن مَن يحاولون كَسْرَه والحطِّ من شأنه.
لذا قبل أن أختم مقالى، أقول لكم: إذا أَلِفْتُم نِعَمَ الله التى معكم ولم تعودوا تشْعُروا بقيمتها بل وتشكروا الله تعالي عليها جزيل الشكر، فسيأتى عليكم زمانٌ وتُسْلَبُ منكم هذه النِعَم لأنه سبحانه قال: {وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِیدَنَّكُمۡۖ وَلَئن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدࣱ}، فشكر النِعمة يجعل الله سبحانه ينمِّيها لكم ويزيدكم من فضله وإحسانه، ونُكرانها وعدم الحفاظ عليها يستوجب عقاب الله، وأبْسَطه إزالة النِعمة من وجوهِكم ونقْلِها لغيركم مِمَّن يحافظ عليها، وللأسف أصبح هؤلاء الأشخاص كُثُرٌ فى هذا الزمان! الذين يأكلون خيرَك ويُنكرون معروفَك ويتنكَّرون بعد ذلك لك! وليس هذا فحسب بل تجدُ منهم مَن يختلِس المالَ فى غَفْلَةٍ منك ويَسْرق ما ليس من حقِّه لمجرّد أنك وثَقَت فيه وأعطيته الأمان! وآخرون تجدُهم يوعدونك ويعشِّمونك وعندما تصدِّقهم وتعطيهم الأمان يخونُوك فى آخر لحظة لتخسَر كلّ شيء وهُم يشاهدونك ويتلذَّذون بما خسِرته! على الرغم من معرفة الجميع بقول الله {وَأَوۡفُوا۟ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولࣰا}، فالوفاء بالعَهْدِ من صفات المؤمنين، وخيانته من صفات المنافقين، كما قال النبى عن صفات المنافق أنه (إذا حدَّث كَذِبَ، وإذا وَعَد أخْلَف، وإذا أُوتُمِنَ خانَ). أبْشِروا يا مَن تَتَفَنَّنوا بتحطيم الآخرين، إن غدًا لناظِره قريب، ما هذا العبث الذى نعيش فيه؟! لقد أصبحنا حقًّا نعيش فى زمن الأعاجيب!