تحقيق- مروة غانم
من المعروف أن السلاح وحده لا يؤدّى الى نصر، بل لابد من عقيدة راسخة وإيمان قوى يشْحذ الهِمم ويدفع الجنود للثبات على الحقّ والدفاع عن الأرض والعِرض دون تردّد أو تخاذل. كما لابد من علماء يقفون فى ظهر جنودهم يحفِّزونهم على القتال فى سبيل نُصرة الحق، ويثبِّتون أقدامهم، ويبرزون لهم فضل الجهاد فى سبيل الله، ومكانة الشهيد.
وهذا بالضبط ما كان يفعله علماء الأزهر فى حرب أكتوبر وبعد حرب الاستنزاف، حيث كانوا يبُثُّون الخُطَب الرنَّانة على المنابر، ويلتقون بالجنود على الجبهة ليدعموهم ويثبِّتوهم.
ويعتبر د. عبدالحليم محمود- شيخ الأزهر آنذاك- من أبرز العلماء المؤثِّرين فى حرب أكتوبر المجيدة، فكان له دور عظيم ومؤثّر فى تقديم الدعم النفسى والمعنوى للجيش المصرى قبل بدء الحرب وحتى انتهائها، حيث كان دائم الاتصال بالقيادة السياسية يشدّ من أزرها مُعلنًا تقديم العون اللازم هو وكل علماء الأزهر، كما كان لرؤيته المباركة دور كبير فى اتّخاذ الرئيس السادات قرار الحرب حينما ذهب إليه وبشَّره بالنصر وأوصاه باتّخاذ قرار الحرب بعدما قصَّ عليه رؤيته للنبى وهو يعبُر قناة السويس ومعه عدد من علماء المسلمين وجنود الجيش المصرى يكبِّرون .
قائد التعبئة الروحية
كان الشيخ عبدالحليم محمود بحقٍّ قائد التعبئة الروحية قبل الحرب للجنود على الجبهة كما نشر الوعى بأهمية الحرب بين الناس واسترداد الوطن ممن اغتصبوه ودنَّسوه .
وكان دائما ما يذهب للجامع الأزهر مُلقيًا خُطبه الرنّانة البليغة والمؤثِّرة عن فضل الجهاد والدفاع عن الأوطان، فضلا عن إظهاره عوامل النصر ليأخذ بها الجميع. وفى إحدى المرَّات وقف على منبر الأزهر مُعلنًا باسم علماء المسلمين أنها حربٌ مقدّسة وجهادٌ فى سبيل الله، كما خطب فى الجنود قائلا:” إنها معركة على خُطَى غزوة بدْر، والله ناصِركم لا محالة”.
الجهاد بالكتاب والكتائب
كما كان للشيخ محمد متولى الشعراوى- رحمه الله-دور كبير أيضا فى الدعم النفسى للجنود والتهيئة للحرب قبل بدئها، فكان كثيرا ما يزورهم على الجبهة ويوضّح لهم فضل الجهاد فى سبيل الله واسترداد الوطن، وقال للجنود فى أحد اللقاءات:” ما أسعدنى بهذا اللقاء! إننا جميعا جنود الحق، أنا بالحرف وأنتم بالسيف، أنا بالكتاب وأنتم بالكتائب، أنا باللسان وأنتم بالسنان”.
وقف البترول
ولا يمكن أن نتجاهل دور الشيخ حسن المأمون- شيخ الأزهر الأسبق- وقوله للجنود:” أيها المجاهدون لا تقعدوا عن القتال لإجلاء العدو عن أرضكم ومنعه من الاستمرار فى احتلالها، لأن كل محاولة من جانب الاستعمار لاحتلال أى جزء من البلاد الإسلامية هى محاولة باطلة شرعا لا يقرّها الإسلام، ولا يرضاها الله ورسوله”. كما طالب جميع الدول العربية بمنع تصدير البترول لليهود قائلا:” إن مصر لا تحارب إسرائيل وحدها إنما تكافح العدوان الموتور المُمَثَّل فى أمريكا وبريطانيا”.
لذا يمكننا القول: أن علماء الدين المُتَمَثِّلين فى رجال الأزهر كانوا فى قلْب المعركة ومع الجنود على الجبهة ووسط الناس فى الشوارع، حتى أن بعضهم كان يصرُّ على المَبِيت مع الجنود ليرفعوا روحهم المعنوية ويثبّتوهم ولم يكونوا أبدًا بمَعْزِلٍ عن الحرب .
التوجيه المعنوى
يقول د. محمود الصاوى- الوكيل الاسبق لكلّيَّتَى الدعوة والاعلام بجامعة الأزهر بالقاهرة-: كان لعلماء الأزهر دور بالغ الأهمية فى التوجيه المعنوى خلال حرب أكتوبر حيث ساهموا فى شحْذ الهِمم وتعزيز الروح القتالية وربط الجهاد العسكرى بالقيم الدينية والوطنية، والتأكيد أن الدفاع عن الوطن واجب شرعى، وأن الجهاد ضد المحتل أعلى مراتب القُرب الى الله, فقد ربط العلماء بين النصر العسكرى والنصر الإيمانى مما أعطى الجنود دافعًا قويًّا للقتال .
أشار الى أن الفتاوى التى قدَّمها رجال الأزهر ساهمت بشكل كبير فى تثبيت قلوب وأفئدة وأقدام أبناء مصر الأبطال فى ساحات المعركة، وكانت الزيارات الميدانية التى قام بها رجال الأزهر بقيادة الإمام الأكبر د. عبدالحليم محمود للجنود وخُطبهم المؤثِّرة دور كبير فى تثبيت القلوب والنفوس فى تلك اللحظات العصيبة، فضلا عن تقديمهم الدعم المعنوى والروحى لأُسر الشُهداء.