تنظيم الأحوال الشخصية.. بالتوازي مع الأوضاع السياسية
المرأة الفلسطينية “صمام أمان” المجتمع.. وركيزته للصمود
د. الجعفراوى: “صلابة وحنكة” الرئيس السيسي.. أنقذت “قضية الأمة”
احتضنت مصر في يوم واحد، الملف الفلسطيني في أخطر وأهم زاويتين، وهما: السياسي في مدينة شرم الشيخ، أرض السلام ومهد الحوار والتقارب، والذى انتهى بالتوصّل لاتفاق بوقف إطلاق النار في لحظة تاريخية شهدها العالم جسَّدت انتصار إرادة السلام على منطق الحرب، وإنهاء الحرب في غزة بعد عامين من المعاناة، برؤية وتوجّه بطل وصانع السلام الرئيس عبدالفتاح السيسي، وفقاً لخطة السلام التي طرحها الرئيس دونالد ترامب، بمشاركة قطرية، وحضور دولى موسَّع تجاوز ملوك ورؤساء وزعماء أكثر من 22 دولة. هذا الاتفاق لا يطوي صفحة حرب فحسب، بل يفتح باب الأمل لشعوب المنطقة في غدٍ تسوده العدالة والاستقرار.
الأحوال الشخصية
بالتزامن مع هذا المسار السياسي، مثَّلت الأحوال الشخصية الفلسطينية، الزاوية الثانية، حيث استضاف “صالون الجعفراوى الثقافي”، ومؤسسة “مشوار التنموية” برئاسة د. صلاح الجعفراوى، بالتعاون مع الجمعية العربية للفنون والحضارة الإسلامية برئاسة د. محمد على زينهم، جلسة نقاشية حول “قانون الأحوال الشخصية بفلسطين”، حضرها وفد فلسطيني ضم كوكبة من القضاة وعلماء الدين ومسئولي شئون الأسرة والمرأة بالمنظمات الأممية، منهم: المستشارة روز الحافي- مديرة ديوان المحكمة العليا الشرعية- المستشارة دارين خطاب- برنامج حماية الطفولة باليونيسيف- بمشاركة فاعلة من ممثلي وزارة التضامن الاجتماعي، المجلس القومي لحقوق المرأة والأمومة والطفولة وحقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني والمفكرين والمثقفين من مختلف القطاعات الحكومية والخاصة، والمجتمع الأممى وخاصة المعنى بشئون المرأة والطفل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحضور اللواء أشرف العزازى، عضو مجلس أمناء مؤسسة مشوار.
صانعة السلام
افتُتح اللقاء بالسلام الجمهوري، وآي الذكر الحكيم للقارئ د. وليد حمدى، وأداره الكاتب الصحفي مصطفى ياسين- رئيس تحرير عقيدتى الذى أشاد بموضوع النقاش لما تمثِّله المرأة من ركن ركين في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، خاصة وأنها هى الأم والأخت والمناضلة والتى تتحمّل تبعات الحروب من فَقْد وتربية. مؤكّدا أن مصر هى صانعة السلام وليست “رُمَّانة الميزان” فقط، وبدونها لا يمكن إحلال السلام أو التنمية، ولذا يقول تعالى- على لسان سيدنا موسى-: “… اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ…” سورة البقرة ٦١.
أشِقَّاء على الدوام
وأكد د. صلاح الجعفراوي، أن مصر طوال تاريخها لم تتأخر عن دعم ومساندة الأشقاء العرب وخاصة الفلسطينيين، وتحديدا منذ حرب 48، مرورا بالعدوان الثلاثي فى 56 ونكسة 67 وحروب الاستنزاف، حتى كان النصر العظيم فى السادس أكتوبر 73/ العاشر من رمضان 1393هـ، وحتى اليوم بكافة السبل والوسائل حتى تم الاتفاق على وقف إطلاق النار، وانعقاد قمة شرم الشيخ، وثوابت مصر لم تتغير بمنع التهجير وإعادة الإعمار للقطاع مع بقاء أهل غزة فى أماكنهم، وإنفاذ المساعدات، وإن شاء الله حتى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 67 وعاصمتها القدس الشرقية، مشيدا فى هذا الإطار بصلابة وحنكة الرئيس السيسي فى إدارة الأزمة وتوجيه الدَّفَّة لصالح الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية والحفاظ على المقدسات الدينية (إسلامية ومسيحية)، بما أنقذ قضية الأمّة كلها من الاندثار. منوِّهًا بالدور المصري الرائد في دعم المرأة الفلسطينية وتمكينها في مختلف المجالات.
القانون الفلسطيني
واستعرض القاضي د. ماهر خضير- رئيس المحكمة العليا الشرعية (محكمة النقض) رئيس اللجنة الفنية الفلسطينية المعنية بتطوير قانون الأحوال الشخصية- نصوص وبنود القانون المقترح، موضحا أنه يتم مناقشته مع الجانب المصري باعتبار ان الفلسطينيين يأخذون بالقانون المصري فى تنظيم أحوالهم الشخصية، خاصة فى قطاع غزة، كما يأخذون بالقانون الأردنى فى الضفة الغربية. مشيرا إلى أن الوفد الفلسطيني التقى فضيلة د. نظير عياد- مفتى الجمهورية- د. محمد عبدالدايم الجندي- أمين عام مجمع البحوث الإسلامية- لعرض وبحث مشروع القانون الفلسطيني وتوافقه مع القانون المصرى، مع بعض الاختلافات المناسبة لطبيعة الحياة على أرض فلسطين.
الأدلة الشرعية
من جانبه، قدّم القاضي د. عبدالله حرب- رئيس هيئة التفتيش القضائي بالمحاكم الشرعية بدولة فلسطين- الأسانيد والأدلة الشرعية الداعمة لنصوص القانون، والتعديلات المقترحة بما يتواكب ويتماشى والحياة الفلسطينية المعاصرة، وكذا الموائمة مع طبيعة الحياة فى ظل الاحتلال والتغيرات الاجتماعية.
اللوائح التنفيذية
أما المستشار إسماعيل حمَّاد- مستشار وزيرة المرأة الفلسطينية- فاستعرض البنود واللوائح التنفيذية والتطبيق على أرض الواقع الفلسطينى، داعما لـ”فَلَسْطَنَة القوانين والتشريعات”، بما يتماشى ويتوافق مع الاستحقاق الدستورى والتسارع في الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، بما يحقق التقارب لا التعارض بين القوانين والشريعة.
واقع المرأة
وقدَّمت المستشارة حنان قمر- مديرة برنامج “سواسية” بهيئة الأمم المتحدة للمرأة- صورا من واقع المرأة الفلسطينية فى ظل الاحتلال، وما تعانيه من مآس ومتاعب، كونها هى المسئول الأول عن الأسرة، فى ظل غياب الأب والافتقار لسبل الحياة الكريمة.
مناقشات مثمرة
وفتح باب النقاش، فأشار فتحى الملا- أمين عام الجمعية العربية للفنون والحضارة الإسلامية- إلى أن من عظمة الإسلام أن نظام الأسرة لديه يمثل قيمة عليا ورائعة، بجانب نظام الوقف، وحقوق المرأة والطفل والرجل أيضا، بقيمة حضارية غير مسبوقة.
وعقَّبت قرنفلة الشريف- محامية- بقولها: لا يجوز عقد الزواج الرسمى عبر وسائل التواصل الاجتماعي إذا تواجد كلٍّ من الزوجين فى بلد مختلف إلا عن طريق توكيل خاص للغير بإتمام إجراءات الزواج أمام الجهات الرسمى شرط توثيقه بالخارجية مع توافر الإعلان والشهود وغير ذلك يعتبر زواجا غير رسمى. موضحة أن قانون الأحوال الشخصية المصرى أضاف ميزة جديدة بلائحة المأذونية تعطى للزوجين حق وضع شروط خاصة لأىٍّ منهما فى عقد الزواج.
رؤية فلسطينية
عرض اللواء أكرم توفيق شقُّورة- عُمدة فلسطيني- لمأساة حوالي ١٨٠٠٠ ألف طفل وطفلة فقدوا الأب والأم والمعيل وليس لهم أي راع غير الله، مطالبا بأن يكون هناك قانون من أجلهم، وتساءل: هل يحق للمرأة أن تكون العصمة في يدها؟
وتساءلت نجوى حسن لُبَّد- فلسطينية-: كيف يتم تمييز الرجل عن المرأة فى قانون الوصية الواجبة، حيث يمنح أبناء الابن المتوفَّى حال حياة أبيه نصيبهم من الميراث، فى حين يُحجب هذا عن أبناء البنت المتوفاة حال حياة أبيها؟! فأى سند شرعى فى ذلك؟
وبعث د. أحمد علي سليمان- عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية- برسالة إلى المرأة الفلسطينية، قال فيها: أيتها المرأة الفلسطينية العظيمة، تحيّةً وتحيّةً لصمودكِ النادر، وسلامًا على صبركِ الأسطوري،
وسلامًا على كلِّ نبضةٍ في صدركِ تهتف بالكرامة والعزّة والإيمان.
سلامٌ على المرأة الفلسطينية، سلامٌ على من غزلت من جراحها ثوبَ البطولة، ونسجت من آلامها قصائدَ مجدٍ يرويها الأحرار وتتناقلها الأجيال، وسلامٌ على مَن جعلت من دموعها نهرًا من الإيمان والعزيمة، وجعلت من وجعها جسرًا للكرامة والحرية والإصرار.
سلامٌ على الأم التي تودِّع أولادها على أعتاب الشهادة بدمعةٍ حارّةٍ وابتسامةٍ واثقة، تضع على جبينهم قُبلةَ الفخر، وترفع كفّيها إلى السماء قائلةً: الحمدُ لله الذي شرّفني بأن منحني لقبَ أمِّ الشهيد. يا لها من أمٍّ عظيمةٍ. صنعت من حزنها سلاحًا. ومن فقدها وقودًا للأمل. ومن صبرها منارةً للأحرار في كلِّ أرضٍ وميدان. وسلامٌ على الزوجة العظيمة التي تبني بيتها وسط الركام، تغرس الحبَّ بين أنقاض الدمار، وتعلّم أولادها أنَّ الوطن لا يُغادَر. ولا يُترك للأعداء، بل يُزرع في القلب كما تُزرع السنابل في الأرض العطشى. وسلامٌ على البنت، والأخت، والزوجة، والأم، التي تكتب اسم وطنها على جدار قلبها بالحبر والدم معًا، تحمل مفاتيحَ العودة في عنقها، وصورةَ المسجد الأقصى في حدقات عينيها، وتنقش فلسطينَ في وجدانها نقشًا لا يُمحى.
أضاف: المرأةُ الفلسطينية ليست مجرّد امرأةٍ عادية، بل هي مدرسةُ الصبر، ومحرابُ العطاء، هي رمزُ الكبرياء حين ينكسر الكبرياء، وصوتُ الأرض حين تُكمَم الأفواه، هي الثباتُ حين تهتزّ الجبال، والأملُ حين يُخيَّم اليأس. إنها وطنٌ يمشي على قدميه، تحمل القدسَ في عينيها، وغزّةَ في نبضها، والضفّةَ في قلبها، ورفحَ في دعائها، تحيا لتُبقي فلسطينَ حرّةً أبيّة، وتبني للمستقبل رايةً لا تنكسر، مهما اشتدّ البلاء، أو طال ليلُ الاحتلال.
فيا نساءَ فلسطين، يا فجرَ الأمة الوضيءَ، ويا فخرَها الدائم، ويا وعدَ الله الذي لا يُخلف الميعاد، اعلمن أنَّ في رحم الألم يُولد النصر، وفي عيونكنّ يلوح الفجرُ الموعود، فأنتنَّ لستنَ فقط رمزًا للوطن، بل أنتنَّ الوطنُ نفسُه، والقدسُ نفسُها، وروحُ العروبة التي لا تموت. بإذن الله تعالى.
توصيات مهمة
وانتهت الحلقة بعددٍ من التوصيات التي أشادت بجهود مؤسسة “مشوار” فى دعم القضية الفلسطينية وتبنّي تعليم أبناء الفلسطينيين الموجودين على أرض مصر، ودعمهم ماديا ومعنويا واجتماعيا، كما أكّدت أهمية تعزيز التعاون المصري– الفلسطيني في مجالات تمكين المرأة، وتفعيل المشروعات والبرامج المشتركة، وبناء القدرات، ودعم المبادرات التنموية والشبابية، بما يسهم في ترسيخ التكامل بين الشعبين الشقيقين لتكون نموذجًا للتعاون التنموي بين الدول العربية.