د. مصطفى الهلباوي: حب الوطن فطرة
الشيخ أحمد عبداللطيف: الوطن القوي مسئولية الجميع
أدار الندوة: جمال سالم
تابعها: محمد الساعاتى
أكد العلماء المشاركون فى الندوة التى أقيمت بمسجد كريستال عصفور بشبرا الخيمة- القليوبية، بالتعاون بين جريدة عقيدتي ووزارة الأوقاف، برعاية الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، بعنوان “بناء الأوطان”، أن الإسلام يحرص على دعوة أتباعه إلى المحافظة على أوطانهم بدمائهم لأنه لا قيمة لإنسان بلا وطن مستقر.
حذروا من غياب الانتماء الوطن مثلما يروِّج المتأسلمين بأن الوطن “حفنة تراب” لا قيمة لها!
أوضحوا أن بناء الأوطان مسئولية جماعية على كل المقيمين فيه. حضر الندوة من قيادات الأوقاف الشيخ اسماعيل زايد، مدير إدارة غرب شبرا الخيمة، الشيخ أحمد مصطفى، المفتش بالإدارة، الشيخ عصام نفادي، رئيس قسم الثقافة بالإدارة، د. هشام عطوة، المدير التنفيذي لمؤسسة عصفور الخيرية، د. عادل شكري، خطيب المسجد، وبدأت بتلاوة قرآنية واختتمت بابتهالات دينية للشيخ عبدالله الشرقاوي.
أكد الزميل جمال سالم، مدير تحرير عقيدتي، أن الإسلام يؤكد أن الوطن يُبنى أولاً عبر بناء الإنسان أخلاقياً ودينياً وفكرياً، ثم يتحقق البناء المادي والاجتماعي عبر العمل الصالح المستمد من القيم الإسلامية كالعدل والتعاون والعلم والوحدة، ويُعد حب الوطن والدفاع عنه واجباً شرعياً وأخلاقياً، حيث يعبّر عن التعلق بالأرض والمجتمع، ويُؤكد على أهمية المحافظة على الأمن والاستقرار، وصيانة مقدسات الأمة وحقوقها، وتعد مصر قلب العروبة والإسلام ولهذا فإن الأعدء يستهدفون إسقاطها ويطلقون على ذلك “الجائزة الكبرى” ولهذا خلقوا حولها حدود النار حتى تمتد إليها، ولكن بفضل حفظ الله لها، ثم وعي القيادات السياسية والشعبية تعيش مصرنا في أمن واستقرار.

الأوطان القوية
أكد د. مصطفى الهلباوي، أستاذ التفسير بجامعة الأزهر، أن عنوان الندوة يشكل ثلاثة محاور لقضايا رئيسية هي “بناء- الأوطان- الدين” وهذا كله لا يتم إلا من خلال بناء الإنسان المسلم من خلال إرساء عقيدة التوحيد، وتعزيز الأخلاق الفاضلة مثل العدل، الرحمة، التعاون، والإحسان، مما يؤدي إلى بناء مجتمع واعٍ ومتماسك، فضلا عن ترسيخ قيمة العدل لأنه أساس الملك وبقاء الدول، وقد أمر الله به في كتابه الكريم، وجعله سنّة كونية لا غنى عنها لقيام أي مجتمع، ولا يكتمل بناء الأوطان إلا بالعلم والمعرفة الذي يعتبر سلاح الأمة الأول في بناء الحضارات، حيث يساعد على تسخير موارد الكون لخدمة المجتمع وتحقيق الحياة الكريمة، ويسهم في معرفة الحقوق والواجبات من خلال التعاون والمحبة والأخوة حيث يفرض الإسلام على المسلمين أن يتعاونوا فيما بينهم ويسهموا في بناء وطنهم، وأن يتحلّوا بالمحبة والأخوة، ويبتعدوا عن الفرقة والتنازع.
أوضح أن بناء الأوطان بشكل صحيح لا يتم إلا من خلال التخطيط المحكم والاستخدام الفعال للموارد، بالإضافة إلى سلامة القصد وصدق النية، في بناء الوطن والدفاع عنه باعتباره واجباً شرعياً وأخلاقياً، لأنه يحفظ الأنفس، ويصون الحقوق، ويحمي المجتمع من الأعداء، وهو نوع من الجهاد في سبيل الله، مما يؤكد أن حب الوطن في الإسلام قيمة إيمانية، لأنه الأرض التي يجد فيها الإنسان أمنه واستقراره، ويستند إلى روابط العاطفة والنشأة والمصير المشترك، ولهذا يدعو الإسلام إلى الحرص على الوطن، والدفاع عنه، والعمل على رفع شأنه والارتقاء به إلى مكانة أفضل بين الأمم، ولهذا يجب على المواطنين أن يكونوا يدًا واحدة في حماية وطنهم والمحافظة على استقراره، وتجنب كل ما يضعف الأوطان من فتنة أو فساد أو شائعات.
ودعا د. الهلباوي إلى أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي في بناء الأوطان، ورحم الله الشيخ الشعراوي حين يقول: “لن تكون كلمتنا من رأسنا إلا إذا كانت لُقمتنا من فَأسِنا”، وهذا يتطلب القوة بمفهومها الشامل التي تبني وطنا عزيزا يستغنى عن الحاجة المذلِّة بغيره، فهو يردع المعتدين ويسالم المسالمين فقال سبحانه: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ…”
وهاجم د. الهلباوي بعض المنتسبين إلى الإسلام ويسيئون إليه من خلال زعمهم أن الوطن مجرد حفنة تراب لا قيمة لها! رغم أنها ملتقى الأقارب والأصدقاء والأحباب، وحبّها مغروس في النفوس مستقر في الفطرة السليمة لدى مختلف الكائنات الحية وليس الإنسان فقط، ولهذا لابد أن يتسلح أبناء الوطن المخلصين بالعلم الذي يعد السلاح الأول في بناء المجتمعات بل الحضارات، وليس للمجتمع حاجة إلى شيء أقوى من حاجته للعلمِ والتعلم والتعليم حتى يكتشف الإنسان أسرار الكون ويعمّره.
العدل أساس الملك
ويؤكد الشيخ أحمد عبداللطيف، إمام مسجد القوات المسلحة بشبرا الخيمة، أن بناء الأوطان وقيامها وازدهارها وتبوأها مكانة بين البلدان ليس بأمر هيّن، وإنما جهود تبذل، ودماء تراق، وأموال تنفق، وعلم وتخطيط، مع سلامة قصد وصدق نية، وعلو همّة، كما أن بناء الأوطان لا يكون إلا بالتخطيط المحكم والبناء الفعال، واتخاذ جميع الوسائل والأسباب لقيامها، وفي مقدمتها أن “العدلُ أساسُ الملك” وبه قامت السموات والأرض، وهذه قاعدة مطردة استقرت عند الساسة والعامة وثبتت بالواقع والتاريخ، وسنّة كونية ربانية لا فرق فيها بين دولة مسلمة أو دولة غير مسلمة، فقال تعالى:” إِنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسَانِ”، وقال النبي:” اتقُوا الظُّلْمَ؛ فإن الظلم ظلُمات يوم القيامة”، والعدل قيمة مطلقة مطلوب في كل حال ومن كل الناس قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ”، ويجب أن يسود العدل بين كل أبناء الوطن فقال سبحانه:” وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا”، فالعدل لازم لقيام الأوطان وبقائها.
وأوضح أن انتشار الأمن من أهم مطالب بناء الأوطان والحياة الكريمة فيها، وضرورة من أهم ضروريات البشر، لا تتحقق مصالح العباد والبلاد إلا بوجوده، ولا تتحقق أهداف المجتمعات وتطلعاتها إلا بانتشاره، ولا تسعد نفوس الناس ولا يهنأ عيشهم إلا بازدهاره، فالأمن نعمة يمتن الله بها على من وهبهم إياها كما في قوله تعالى:” فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ”، وصدق النبي حين قال:” مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سربِهِ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا”. ومن هنا جاءت هذه الشريعة الغراء ومن أهم قواعدها ومقاصدها العامة حفظ الأمن العام بحفظ الضروريات الست التي لا تنعقد معيشة الناس إلا بحفظها ألا وهي: الدين، العقل، النفس، العرض، المال، الوطن.
وأشار إلى أن بناء الأوطان لن يكون إلا من خلال الاجتماع ووحدة الصف، فقال تعالى:” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ …”. ولهذا لما هاجر النبي من مكة المكرمة للمدينة لمنورة قام بالمؤاخاة بين المسلمين من المهاجرين والأنصار، وفي نفس الوقت قام بوضع “وثيقة المدينة” التي تضبط العلاقة بين فئات الوطن المختلفة من المسلمين واليهود والمشركين لتضمن عدم التنازع والشقاق، وتنظم طريقة التعايش في سلام ووفاق وتكاتف في حماية الوطن الواحد، وكان يدعو إلى كل ما يقوي روابط المحبة والألفة بين المسلمين، فقال:” لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا. أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شيء إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ”، فالاجتماع والوحدة والائتلاف وعدم الاختلاف من أهم الخطوات في بناء الأوطان وازدهارها.





























