مصر الصخرة التي تتحطم عليها أطماع الغزاة
د. سلامة داود: تربينا على شعار “لا شيء يعلو فوق صوت المعركة”
د. مختار جمعة: الجيش المصرى من لُحمة الشعب.. والنصر دائماً حليفه
د. رمضان حسان: لا يوجد مستحيل مع قوة الإرادة وصدق الإيمان
عميد حازم الإمام: المشاركة المجتمعية.. أساس فى النصر
متابعة: مروة غانم
أكّد علماء الدين وخبراء السياسة والعسكرية، أن مصر ستظل دائمًا وأبدًا الصخرة التي تتحطم عليها أطماع الغزاة، وأن نصر أكتوبر لم يكن مجرد معركة عسكرية بل كان ملحمة وطنية متكاملة شارك فيها الجيش والشعب والعلماء على حدٍّ سواء، وكانت بمثابة انتصار للإرادة والعقيدة، واستردادٍ للكرامة قبل الأرض.
أكدوا أن نصر أكتوبر ليس مجرد صفحة من صفحات التاريخ، بل هو درس متجدّد يجب أن تتوارثه الأجيال، لأنه يحمل في طياته معاني البطولة، الوعي، الوحدة، العلم، الدين، والعمل الجماعي.
وشدّدوا على ضرورة تدريس هذه القيم وتلك الوقائع في المناهج التعليمية، وإحياء روح أكتوبر في عقول وقلوب الشباب، حتى يدركوا أن الأوطان لا تُحفظ إلا بالتضحية، ولا يُصان أمنها إلا بالوعي والتكاتف خلف القيادة الوطنية.
جاء ذلك فى الندوة التي نظمتها كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بجامعة الأزهر، تحت عنوان: «انتصارات أكتوبر المجيدة بين الماضي والحاضر»، في أجواء مفعمة بالفخر الوطني، بحضور عدد من علماء الأزهر ورجال الدين والخبراء العسكريين، بهدف استحضار الدروس المستفادة من نصر أكتوبر وتعزيز قيم الانتماء والوطنية لدى الأجيال الجديدة.
أكد د. رمضان حسان، عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية، أن 6 أكتوبر 1973 لم يكن مجرد تاريخ عادي، بل كان يومًا من أيام الله، سطّر فيه أبطال القوات المسلحة ملحمة بطولية سيتوقف التاريخ طويلاً عند تفاصيلها. لقد خرجنا من هذه الحرب بدروس عظيمة يجب أن تُدرّس وتُستوعب، وعلى رأسها أن قوة الإيمان واليقين بالله والانتماء للوطن هي الركائز الأساسية لأي نصر. الجنود هتفوا (الله أكبر) فكانت هذه التكبيرات أيقونة النصر وروحه.
أشار إلى أن وحدة الصف المصري، شعبًا وجيشًا وقيادة، لعبت الدور الأبرز في تحقيق النصر، بالإضافة إلى التضامن العربي الذي مثّل ركيزة دعم سياسي واقتصادي وعسكري. موضحا أن دولًا عربية أرسلت جيوشها لتقاتل بجانب مصر، فيما دعمت أخرى القرار المصري باستخدام سلاح النفط كسلاح ضغط فعّال.
ووجَّه رسالة إلى شباب هذا الجيل قائلاً: “حرب أكتوبر أثبتت أن المستحيل لا مكان له أمام الإرادة الصلبة وصدق الإيمان. يجب أن نصطف خلف قيادتنا، وندرك أن الوطن لا يُبنى بالشعارات، بل بالتضحية والعمل والوعي”.
النصر الحقيقي
من جانبه، أكد د. سلامة داوود، رئيس جامعة الأزهر، أن الجيش المصري خير أجناد الأرض، مستندًا إلى إيمانه بالله، وثقته في عدالة قضيته، واستعداده للتضحية في سبيل الوطن. لقد تساءل الكثيرون: كيف لجيش لا يمتلك آنذاك أحدث الأسلحة أن ينتصر على عدو مدجج بأعتى الترسانات العسكرية؟! والجواب: النصر لا يُقاس فقط بالقوة المادية، بل بالإيمان والعقيدة والاعتماد على الله، ثم التخطيط الدقيق والأخذ بالأسباب.
وروى د. سلامة جزءًا من سيرته الشخصية المرتبطة بهذه الذكرى، حيث أشار إلى أن والده كان أحد المشاركين في حرب الاستنزاف وعاش نكسة 67، ثم شهد نصر أكتوبر، قائلاً: “ولدت وأنا لا أزال رضيعًا حين كان والدي على الجبهة يؤدي واجبه الوطني، وقد أطلق عليّ جدي اسم (سلامة) تيمّنًا بعودته سالمًا”.
واستحضر الحسّ الشعبي الوطني في تلك الحقبة، مؤكدًا أن الجميع كان يعتبر خدمة الجيش واجبًا مقدسًا، مردّدًا شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، ومؤمنًا بأن الأمة الضعيفة تتبع الأمم القوية، كما قال ابن خلدون، مشدّدًا على أن الأمة لا تنتصر إلا بقوّتها وإيمانها.
وفي لفتة فريدة، تناول د. سلامة إحدى قصص نصر أكتوبر، وهي “النصر العلمي”، عندما نفد الوقود اللازم لتشغيل الصواريخ، ورفضت روسيا تصديره لمصر، فاستدعى الرئيس السادات العلماء المتخصصين، وكان الحل على يد باحث شاب في المركز القومي للبحوث استطاع إعادة تدوير الوقود المستهلَك، ما مكّن الجيش من تشغيل المنصات الصاروخية مجدّدًا. وقال: هذا المشهد يثبت أن العلم شريك أساسي في المعركة، وأن الوطن لا يُبنى بالسلاح فقط، بل بالفكر والبحث والمعرفة”.
حب الوطن
وأوضح د. محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف السابق، أن حب الأوطان ليس شعورًا عابرًا أو اختيارًا ثانويًا، بل هو جزء من عقيدة المسلم، إذ أن الحفاظ على الوطن من صميم مقاصد الشريعة الإسلامية، ومن لا خير فيه لوطنه لا خير فيه لدينه أو أمّته.
أضاف: إن العدو حين يحتل بلدًا مسلمًا، يجب على أهل هذا البلد جميعًا أن يهبّوا للدفاع عنها، رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا، وفق ما أجمع عليه الفقهاء. وما نراه اليوم في غزة هو مثال حي على ذلك الصمود، رغم حجم المعاناة الهائل.
وأكد د. جمعة أن مصر لم ولن تتخلى عن القضية الفلسطينية كما يروّج البعض، بل كانت مواقفها واضحة برفض التهجير والتصفية، والتمسك بالحل العادل للقضية. وأشاد بالجيش المصري، واصفًا إياه بـ”الجيش الوطني الوحيد في المنطقة الذي لا يضم مرتزقة أو ميليشيات”، بل هو من نسيج هذا الشعب.
وتحدث عن الرمزية الدينية والوطنية لـ”العَلَم”، مؤكدًا أن الراية في الإسلام لها قدسية، مستشهدًا بمواقف الصحابة في غزوة مؤتة وخيبر، ما يؤكد أن رفع العَلَم وحمايته هو تعبير عن الانتماء للوطن والدين.
العدو ينشر أكاذيبه
واستعرض العميد أركان حرب حازم الإمام، قائد التربية العسكرية بالجامعة، الجوانب التكتيكية لحرب أكتوبر، وعلى رأسها “خطة الخداع الاستراتيجي”، التي خدعت العدو والعالم كله، مؤكدًا أن مصر نجحت في تنفيذ خطة خداع محكمة تضمنت منح الجنود إجازات، وشراء معدّات مدنية مثل “مضخّات الري”، لاستخدامها في هدم الساتر الترابي “خط بارليف”، بينما بدأت القوّات فعليًا في العبور.
وحذّر من محاولات بعض الجهات تغذية أنظمة الذكاء الاصطناعي بمعلومات كاذبة تزعم أن مصر لم تنتصر في الحرب، وقال: “هذه الأكاذيب يجب التصدي لها بوعي وإدراك، فالشباب اليوم في مواجهة حرب جديدة، تُستخدم فيها التكنولوجيا لهدم الثوابت وزعزعة الثقة”.
أضاف: دور المرأة كان محوريًا في تلك المرحلة، من خلال التبرع بالدم، والتطوع في التمريض، والمشاركة المجتمعية لدعم الجبهة، مشيدًا بدور علماء الأزهر والدين في تعبئة الهِمم ورفع الروح المعنوية.