د. حنفي مدبولي – جامعة بني سويف

من السنن الإلهية سنة النصر للفئة المؤمنة القليلة وهزيمة كثرة الكافرين: قال تعالى: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249/البقرة) قال الإمام القرطبي: هذا يبين تحريض على القتال واستشعار للصبر واقتداء بمن صدق ربه. ويأذن الله لهذه الفئة المؤمنة القليلة الذين ظلموا بالنصر والتمكين قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40) سورة الحج، وفي هذه الآية بين الله الحكمة من هذه السنة وهي: حفظ الدين من الانهيار، وحفظ الدنيا من الفساد، وحماية المقدسات ومنع الأشرار من استعباد الناس ومحو شعائر الدين، وهدم دور العبادة. ولولا جهاد الفلسطينيين ودفاعهم عن أرضهم ومقدساتهم لكان الهدم والتخريب للمسجد الأقصى والمساجد الأخرى، ولولا جهاد المصريين والوقوف بقوة وصلابة لهذا العدو الغاشم ولمن يساندوه لتم توسيع رقعة الاحتلال للدول العربية وقيام دولة إسرائيل الكبرى.
وعلينا أن نعلم إن الله قادر على نصرة دينه ويقطع دابر الكافرين إلا أنه تعالى أبى إلا أن تسير الأمور وفق أسبابها الطبيعية (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) (4/محمد)، فجعل تعالى دفع الأشرار بعمل الأخيار وحركتهم المباركة مع تأييد الله (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) (62/الأنقال)، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) (40/الحج)]، فلابد من عمل دؤوب متواصل، لأنه لو بدأ الله بالنصر مع تخاذل المسلمين وضعف إيمانهم لدخل في الإسلام من يدب الوهن في صفوف المؤمنين، ولفسدت الأرض. إذا لا بدّ في الدفاع عن الدين والوطن والعرض باتخاذ الوسائل المناسبة لما يستعمله العدو، من محاربة الغزو الفكري بالفكر المستنير المستنبط من القرآن والسنّة والتاريخ، ومواجهة الفساد الأخلاقي بنشر الفضيلة وبيان عواقب الرذيلة، والسعي للقوة السياسية والعلمية والاقتصادية والعسكرية والتلاحم بين الجيش والشعب وحب الوطن والتضحية من أجل عزته وكرامته قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ…) (60/الأنفال). وجاءت كلمة “قوة” هنا نكرة لتدل على العموم لتشمل أي قوة تكون صدا لغطرسة العدو، واذا تقاعس قوم عن اداء واجباتهم فان الله يبدلهم بغيرهم لهذه الطاعة قال تعالى {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد : 38].
إن الطريق إلى النصر قد يراه المنافقون شرا مستطيرا، لكن النصر والتمكين قد يبدأ من حيث لا نفهم فهذه حالُ رسول الله؛ من طلبِ النجاة في غارٍ موحش مع صاحبٍ وحيد، انتهى إلى فتح مكةَ بجيش عَتيد قال تعالى: ﴿ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ) فكان من الخروج إقامة الدولة في المدينة، والعود الحميد لفتح مكة سِلما، ودخول الناس في دين الله أفواجا (وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (40/التوبة).
وليعلم المسلمين؛ أن عدوهم ضعيف قال تعالى: (بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ (14/الحشر)، (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ ..) (14) وهذا ما رأيناه في حصن خيبر، ثم في أكتوبر 1973م من بناء خط بارليف، إلا أن بسالة الجنود المصرين أسقطوه وشلُّوا العدو في ست ساعات، ومع ذلك تم استرداد سيناء المحتلة بعد أن عُرفت قوة مصر العسكرية وأنهم لا يزالون يهابونها، وما نراه الآن في حرب الاحتلال الصهيوني للفلسطينين من عزلهم ببناء الجدار العازل، والإبادة الجماعية، والتهجير والقسر، هو نتاج منع الفلسطينيين من جيش نظامي يدافع عنهم، ونذكر هنا بقوله تعالى: (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ ) (102/النساء)، وليعلم الجميع أن سحب السلاح من الفلسطينيين هو الباب الرئيسي لقيام إسرائيل الكبرى، فانتبهوا يا أولي الألباب.