تقرير طارق عبدالله
بعد وفاة د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء والرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، يكون قد خلا مقعد من مقاعد “هيئة كبار العلماء” الذي يصل عددهم إلى 40 عضواً عند إعادة إنشائها عام 2012. إضافة إلى خلو عدد كبير من مقاعد الأعضاء بسبب وفاة عدد غير قليل من بين أعضاء الهيئة وتغيّبهم نتيجة التقدّم في السن، ومن الذين رحلوا خلال السنوات القليلة الماضية: د. عبدالرحمن العدوي، د. محمد الأحمدي أبو النور، د. محمد عمارة، د. محمود حمدي زقزوق، د. عبدالفتاح الشيخ، د. محمد رأفت عثمان، د. إسماعيل الدفتار، د. القصبي زلط، د. أحمد طه ريان، د. محمد المختار المهدي، د. طه أبو كريشة، د. عبدالله الحسيني هلال، د. عبدالمعطي بيومي.
ولم يعيَّن أحد في هذه الأماكن الشاغرة سوى أربعة أعضاء في 5 مارس 2020، حيث صدر القرار الجمهوري رقم 108 لسنة 2020 بتعيين أربعة أعضاء جدد هم: د. السعيد السيد عبادة، د. حسن أحمد جبر، د. محمود توفيق سعد، د. محمد حسني إبراهيم. ثم اثنان في 25 يوليو 2021 حين صدر القرار الجمهوري رقم 286 لسنة 2021 بتعيين د. محمد عبدالرحمن الضويني، د. فتحي عثمان الفقي. وهو عدد لا يكفي لشغر الأماكن التي تم إخلاؤها بسبب وفاة أصحابها من العلماء، ما يطرح أسئلة حول استمرارية الأداء الفعلي للهيئة وقدرتها على المواكبة والتجديد. وهو ما يقتضي ضرورة تعيين علماء آخرين في مختلف الأعمار خاصة وأن غالبية علماء الهيئة حاليا تعدَّت العِقد السابع من أعمارهم !
ومع أن الهيئة تمثل القمة العلمية والشرعية داخل مؤسسة الأزهر، فإن تراجع عدد أعضائها– الذي يرجعه كثيرون إلى تقدّم أعمار الغالبية ووفاة عدد كبير منهم وعدم تجديد الدماء بشكل كافٍ– يثير تساؤلات حول مستقبلها ودورها في ظل التحديات الفكرية والدينية الراهنة. وبينما تتوالى نداءات من داخل المؤسسة لتفعيل آلية التجديد وتوسيع العضوية، يبقى المشهد معلقًا بين هيئة عريقة تحمل عبق التاريخ، وواقعٍ يفرض ضرورة ضخّ دماء جديدة لضمان استمرارية صوت الأزهر الوسطي في الداخل والخارج.
وتعد “هيئة كبار العلماء” المرجعية الفقهية والشرعية في مصر العالم الإسلامي، لإبداء الرأي الشرعي فيما يتعلَّق بعلوم الإسلام وشئونه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة، وقد أنشئت عام 1911م في عهد الشيخ سليم البِشري، ولكنها توقفت عن العمل عام 1961م وحلول مجمع البحوث الإسلامية محلها، حتي تم إحياؤها في عهد الإمام الأكبر د. أحمد الطيب- شيخ الأزهر- عام 2012م. وتختص الهيئة أيضا بانتخاب شيخ الأزهر، وترشيح مفتى الجمهورية، وتضم الهيئة نخبة من كبار علماء الأزهر في المذاهب الفقهية وعلوم الدين واللغة العربية.
المرجع الديني
تُعد الهيئة المرجعية الدينية العليا الأزهرية، حيث تُشكِّل صوت المرجع الديني في الفتوى والرأي الشرعي، وقد تم إنشاؤها للمرة الأولى عام 1911، وأُريد منها أن تتفرغ لدراسة أمَّهات الكتب في العلوم القديمة، فتسير في دراستها بالطريقة القديمة في التدريس، أي أسلوب الحلقات. وتكونت في بداية إنشائها من ثلاثين عالما اختصاصيا، لكل واحد منهم كرسي خاص في المحل الذي يخصص للتدريس العام بمعرفة شيخ الجامع الأزهر. وقد روعي التمثيل المذهبي، وهذا التمثيل العددي– كثرة أو قلة– يعكس حجم الانتماء المذهبي داخل الأزهر، حيث خصصت للسادة الأحناف أحد عشر كرسيا، وللسادة الشافعية تسعة كراسي، وللسادة الملكية تسعة كراسي، وللسادة الحنابلة كرسي واحد.
أما حاليا فالهيئة تتألف– وفقا لقانون إنشائها الجديد- من عدد لا يزيد على أربعين عضوًا من كبار علماء الأزهر من جميع المذاهب الفقهية الأربعة برئاسة شيخ الأزهر، وهذا يعني أن هناك سقفًا قانونيًا معينًا للتعيين، ما يجعل الفرص محدودة إذا أُعيد شغل معظم الأماكن.
كبار العلماء (أعضاء الهيئة) غالبًا ما يكونون في الأعمار المتقدمة، مما يؤدي إلى وفاتهم أو عدم قدرتهم على الممارسة الكاملة لأعمال الهيئة، ومع عدم تعيين تغييرات منتظمة كافية، ينحسر عدد الأعضاء الفاعلين وهذا قد يُضعف من قدرة الهيئة على أداء مهامها بكفاءة.
قلَّة الأعضاء يعني تنوّعًا أقل من حيث التخصصات، المذاهب الفقهية، الخلفيات الأكاديمية، مما قد يُضعف القدرة على معالجة مسائل دينية وفكرية جديدة بطريقة متوازنة. وإذا لم يدخل أعضاء شباب لديهم قدرات أكاديمية وفكرية جديدة، قد تتأثر الهيئة بالجمود في التفكير والرد على المستجدات العلمية والفكرية والثقافية. خاصة وأن الفترات بين التعيينات الطويلة قد تُسبب فراغًا وظيفيًا داخل الهيئة، خصوصًا إذا تُوفي عدد من الأعضاء أو اعتزلوا النشاط، دون أن يُسد مكانهم مباشرة.
وهناك عدد من الآثار المحتملة لانحسار الأعداد داخل هيئة كبار العلماء منها: التأثير على التنوع العلمي والفقهي، ضغط العمل على الأعضاء القلائل، الأعضاء الباقون يُحمَّلون مسؤوليات أكبر مما قد يُؤثر على جودة الفتاوى، سرعة البت في القضايا وبذل الجهد المتوقع، إضافة إلى كل ذلك ضعف في التجديد والابتكار .
من الغريب، كما ذكرنا أن آخر تعيينات كبيرة كانت في هيئة كبار العلماء خلال 2020، وقد لا يكون هناك تعيينات أخرى بنفس الكثافة منذ ذلك الحين. والجمهور يتوقع من الهيئة أن تكون نشطة فاعلة، متجددة ومتابعة للقضايا المعاصرة، ومع انحسار الأعضاء قد يُثير تساؤلات حول قدرتها على الوفاء بهذا الدور.
ولكن هناك عددا من الأسباب التي تؤدي إلى التباطؤ في تعيين الأعضاء الجدد بالهيئة منها: القيود القانونية أو التنظيمية، حيث يوجد هناك سقف لعدد الأعضاء وفقا لقرار إنشائها، إضافة إلى الاعتماد على الانتخابات الداخلية والتعيين الرئاسي، فالأعضاء الجدد غالبًا يُنتخبون داخل الهيئة أولًا ثم يُرفع العرض إلى رئيس الجمهورية للتعيين، وهذا الإجراء يحتاج وقتًا طويلاً، كما أن هناك قلة في ترشيحات الأعضاء الذين تتوفر فيهم الشروط، من حيث التأهيل العلمي والانتاج البحثي والأمانة العلمية والسمعة والتنوع المذهبي والتخصصي. وربما لا يُنظر في التعيينات كأولوية مستمرة، أو يُسبقها اهتمام بأمور أخرى داخل الأزهر أو الدولة.
انحسار أعداد الأعضاء يمثل تحديًا حقيقيًا إذا تُرك دون معالجة. فالأزهر باعتباره مؤسسة مرجعية، يحتاج إلى مزيج من التقاليد والعناية القانونية والإدارية والتجديد العلمي لضمان استمرارية دوره الفقهي والديني في مواجهة مستجدات العصر.
معايير واضحة
والتجديد لا يعني الإهمال للتجربة والحكمة، بل التوازن بين الخبرة وشباب الكفاءة، بين التمسك بالثوابت والانفتاح على الاجتهاد البنّاء، خاصة وأن الحالة الصحية على كبار السن من علماء الهيئة ربما لا تجعلهم يتمكنون دائمًا من المشاركة النشطة، وقد يكون هناك تأخر في استبدالهم وفقًا لظروفهم.
من هنا لابد من توصيات وآليات يجب أن توضع موضع الاهتمام والدراسة منها: وضع خطة استراتيجية للتجديد الدوري، تحديد جدول زمني واضح لتعيين أعضاء جُدُد– مثلا كل 2-3 سنوات بعض الأعضاء الجُدُد بما يضمن تجدد الدماء دون تعطيل العمل، مع مراعاة تنوع التخصصات (فقه، أصول، حديث، تفسير، بلاغة، اللغة العربية، الفقه المقارن، الشريعة…) والمذاهب الفقهية. إضافة إلى وضع معايير واضحة للترشيح للهيئة منها
– التأكيد على أن المرشح يجب أن يكون ذو مؤهلات بحثية قوية، إنتاج علمي متواصل، سمعة علمية، القدرة على التواصل مع المجتمع المعاصر.
– فتح باب الترشح بشفافية، مع دعوة قوية من داخل الأزهر أو الجامعات الأزهرية.
– تسهيل الإجراءات القانونية والتنفيذية .
– تسريع عملية الانتخاب داخل الهيئة، ثم الموافقة الرئاسية أو الإدارية لتعيين الأعضاء الجدد.
– ربما تعديل قانون تنظيم الأزهر إن لزم الأمر، لتقليل التأخيرات الإدارية في الموافقة على الترشيحات.
– إدخال أعضاء من جيل الشباب من العلماء– ليس فقط كبار السن– ممن يمتلكون الخبرة الأكاديمية والشرعية، ليكونوا جسرًا بين الماضي والمستقبل.
– إطلاع الجمهور أو الشرائح العلمية المعنية على أسماء المرشحين الجدد ومعايير الاختيار، لتوفير الثقة.
– إشراك المجالس العلمية، الجامعات، الهيئات الدينية في اقتراح الترشيحات
وقد يستفيد الأزهر من ضم علماء من مؤسسات إسلامية وأكاديمية أخرى، داخليًا أو خارجيًا، ممن تنطبق عليهم الشروط، لتوسيع قاعدة المعرفة والتخصصات.