فقدت الأمة الأسلامية، وفقدت مصر والأزهر الشريف رمزا كبيرا هو الدكتور أحمد عمر هاشم، فلم يكن- رحمه الله- مجرد عالمٍ أزهريٍّ قديرٍ انضمّ اسمه إلى سجلات العظماء فقط، بل هو مسيرةٌ نورانيةٌ تشرّفت بحمل أمانة الوارثة المحمدية، التي توارثت العلم والهدى النبوي جيلاً بعد جيل، حيث يعود نسبه الشريف إلى الآل الأطهار، فكان صورةً حيةً للعالِم الذي يجمع بين إسْنَادِ المحدِّث وعمْق بصيرة لعارِف بالله، ليغدو بذلك جسراً مضيئاً يصل الأمّة بنبع النبوة الصافي.
كان الفقيد علمًا من أعلام الأزهر الشريف، جمع بين العلم الراسخ والعمل الصالح، وأفنى عُمره في خدمة سنَّة النبي ونشر تعاليم الإسلام السمحة، وأسهم بعِلْمه وجهده في بناء أجيال من العلماء والدعاة، فكان العالم الجليل آية في الحكمة والبلاغة والوطنية؛ وخطيبًا مفوَّهًا، ومديرًا قديرًا، ومعطاء صبورًا، وسَرَى حبُّ الأزهر في داخله كما يسري الماء في الورد، فكان عالمًا أزهريًا لا يُشَقُّ له غبار، ساعياً لترسيخ فكرةِ العالم الموسوعي، الذي لا يكتفي بعلمِهِ، بل يساهِمُ في معالجة قضايا المُجتمع، متصدّراً المشهدَ ببيانٍ ساطعٍ، وحجّةٍ بَالِغة في الدفاع عن السنّة والوسطية، وقد تميز بأسلوبه الدعوي المؤثر الهادئ في البرامج التلفزيونية والإذاعية في جذب جميع طوائف المدعوين مهما كانت درجة استيعايهم، فكان برنامجه الصباحي في إذاعة القرآن الكريم صوتاً للعقل والاعتدال، يتتبع فيه الأنفاس النبوية الشريفة، ويبسطُ المعاني العميقة للشريعة بكلماتٍ رقيقةٍ وبلغةٍ جذابةٍ تصل إلى قلب المستمع، جامعًا بين تزكية النفس وتحصيل العلم في مزيج مدهش.
ومن عظمته– رحمه الله– أنه تجاوز دوره الجانب التعليمي والدعوي ليصبح عالماً مشاركاً بفاعلية في الحياة العامة، حيث شغل عضوية هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، فكان قامةً علمية جمعت بين وقار العالم الأزهري وتواضع الأئمة الكبار، وعنواناً للتراث الأزهري الأصيل الذي يربط ماضي الأمة بحاضرها ومستقبلها، فلم تكن حياته عبارة عن سلسلة من الألقاب الأكاديمية والمناصب الإدارية، بل كانت رحلة عنوانها السير إلى الله، محمَّلاً بالأدب العالي، والذوق الرفيع، وتلمُّس الحال النبوي الشريف، فقد تربَّى بين يدي أهل الله من العلماء والمصلحين، كان التصوف الصافي بالنسبة لفضيلته روحاً تُحيي الجسد العلمي، فامتزج لديه علم الحديث بالإشراق القلبي، ليقدم للناس نموذجاً للعالم الذي يتنور بالهدي النبوي ظاهرا وباطنا فمنح عشق الجناب المعظم لكلماته حرارة وجدانية، وجعلها دعوةً إلى الخُلُق المحمدي وتزكية السرائر، ليؤكد أنَّ الرشد هو منتهى أماني العارفين، وأن الطريق إلى الله لا يُسلك إلا ببصيرةٍ لا تنفصل عن الحكمة، ليظل إرثه العلمي والدعوي شاهداً على أنَّ الوراثة المحمدية باقية أبد الدهر، وأن سندها لا ينقطع أبدًا، فقد فقَدته أروقة الجامع الأزهر، ومنبره الشريف، وقاعات الجامعة الأزهرية، ولكن مع هذا الفقد يبقى الأثر، ولكن الأثر هنا بصمة محمدية، وتراث علمي وأخلاقي وعلمي نادرًا ما يجود الزمان بمثله، رحمه الله تعالى، وغفر له.