د. حنفي مدبولي – جامعة بنى سويف
ذكر ربُّ العزّة أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57/ غافر) ليشعرنا بضآلة حجمنا وضعف قوتنا. وخلاصة أقوال المفسرين لهذه الآية: أن الله يخبر عباده أن خلق السماوات والأرض أعظم وأكبر من خلق الناس، وأن الذي خلق الأجرام العظيمة وأتقنها، قادر على إعادة الناس بعد موتهم من باب أولى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ) (33/الأحقاف)، فلماذا الربط بين خلق السماوات والأرض وخلق الناس؟ وللإجابة على هذا السؤال لابد وأن نستدل بشواهد العلوم الحديثة.
لقد استخدم العلماء التلسكوبات والمراصد الفلكية والمركبات الفضائية لرؤية الكون المنظور من السماء الدنيا أي السماء الأولى، واختلف العلماء في تحديد بداية الكون وعمره من 13.2 مليار سنة (بحسب مسبار ويلكينسون لوكالة ناسا 2012م) ، أو 13.77 مليار سنة (بيانات ماكس بلانك 2015م لوكالة الفضاء الأوروبية (ESA) أو 15 مليار سنة ( مسبار جيمس ويب 2022م لوكالة ناسا الأمريكية). وقدر العلماء عمر الأرض 4.6 مليار سنة، اعتمادا على التحلل النووي لنظائر العناصر المشعّة طبيعياً(Radiometric Age Dating, www.nps.gov, 2018) بينما عمر البشر على الأرض من 128000 إلى 200000 سنة بحسب تحليل جين الميتوكونديا فى النساء، والكروموسوم واى (Y) فى الرجال بتقنية أحدث سلف مشترك Most recent common ancestor (American Journal of Human Genetics. 92 (3): 454–). وأكدوا على أن الآثار الخاصة بسفينة نوح في تركيا تعود إلى 90 ألف عام.
وتبين أن دورة حياة النجوم تستمر لمليارات السنوات بينما أقصى عمر للإنسان هو 1000 سنة (عمر نوح عليه السلام) ومن هذه الحسابات يتضح بأن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس.
ولكن لماذا الربط بين خلق السماوات والأرض وبين خلق الناس؟ لأن المجرات والنجوم في السماء لها عمر تبدأ من الصغر وتنتهي بالشيخوخة والإنهيار، وكذلك الحال بالنسبة للناس (من طفل لشيخ كبير ثم الموت).
وتبدأ حياة النجوم بالتحول من سحابة من الغبار والغاز تُعرف باسم السديم cloud complex إلى مرحلة النجم الطفل (Baby Star) أو Protostar ثم يستمر ليصبح في مرحلة الفتوة (T-Tauri) ، وفيها يبدأ النجم الطفل بإنتاج رياح قوية تدفع الغازات والجزيئات المحيطة بعيدًا عنه، وهذا يسمح للنجم المتكون أن يصبح مرئيًا لأول مرة. ثم تبدأ مرحلة التسلسل الرئيسي للنجم (Main Sequence Star) حيث يتم موازنة جاذبيته من خلال ضغطه الداخلي والخارجي، مما يمنحه شكلًا صلبًا، وتقضي النجوم 90٪ من عمرها في هذه المرحلة، حيث يقوم النجم بحرق مخزونه من الهيدروجين لتندمج جزيئاته لتشكيل الهيليوم في لبه، وأن النجوم عندما تكون في تسلسلها الرئيسي، تحترق بضوء أزرق ويمكن أن تصل درجة حرارة سطحها إلى (19,726.85) م0، وبالمقارنة تبلغ درجة حرارة سطح الشمس حوالي (5726.85) م0. ثم تبدأ مرحلة العملاق الأحمر ( Red Giant) بمجرد تحويل كل الهيدروجين الموجود في لب النجم إلى الهيليوم، ثم ينهار اللب على نفسه، مما يتسبب في تمدد النجم، وتوسعه فيصبح النجم في البداية نجما عملاقا فرعيا، ثم عملاقا أحمر. ويكون سطحه أكثر برودة من نجوم النسق الرئيسي، وبسبب هذا يظهر النجم باللون الأحمر بدلاً من الأزرق أو الأصفر، وإذا كان النجم ضخمًا بدرجة كافية (كالنجوم التي تكون كتلتها 25 ضعف كتلة الشمس) فإن الانفجار الداخلي للب يخلق مستعرًا أعظم (Supernovae) ومنها يتحول إلى نجم نيوتروني أو الثقب الأسود (Black hole) ، ثم تبدأ مرحلة اندماج العناصر الأثقل (Heavier Elements) ، مثل الكربون، وتتكرر هذه العملية حتى يبدأ الحديد في الظهور داخل لب النجم مما يؤدي إلى امتصاص الطاقة، وانهيار اللب وهذا يبين لنا أن الحديد يتكون في النجوم ومع انهيارنا ينزل إلى الأرض (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ (25/الحديد). أما النجوم الأصغر مثل الشمس تتقلص إلى أقزام بيضاء White Dwarf) ) بينما يتشعب غلافها الخارجي كسديم كوكبي. وكتلة النجم هي التي تحدد مدى سخونة النجم وكيف تنتهي حياته، والجاذبية بين النجوم والمجرات هي القوة المسئولة عن تشكيل الكون والحفاظ على الكواكب والنجوم في مداراتها، وعندما تنهار هذه الجاذبية ينهار الكون وهذا يعني قيام الساعة (إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)، وأخرج أحمد وصححه الحاكم من حديث ابن عمر قال ﷺ: “من سرَّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} و{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ}، قال الحسن: {كُوِّرَتْ} ذهب ضوؤها، (انفَطَرَتْ) أي: إنشقت، ويتبين لنا أن خلق الإنسان بدأ من التراب والماء، وكذلك خلق النجوم تبدأ من السدم التى تحتوى على السحب الغازية مثل الهيدروجين والأوكسجين والنيتروجين وغيرها، والغبار الفضائى. وكما يمر الإنسان بدورة حياة تبدأ من الطفولة ثم الفتوة وبلوغ الأشد إلى الشيخوخة والوفاة، فكذلك النجوم تمر بمراحل فى حياتها من الطفولي إلى الفتوة وإلى الأشد ثم إلى الإنهيار ولهذا جاء الربط بين خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان. فمن أخبر محمدا بهذه المعلومات الدقيقة إنه الوحي من الله العليم الخبير، وهذا يدل على صدق الرسالة وصدق الرسول، وأن القرآن والسنَّة بهما كنوز علمية.