بقلم أ.د نادية قطب إبراهيم
أستاذ الإذاعة والتليفزيون المساعد
بكلية الإعلام للبنات جامعة الأزهر
في زحام الحياة وتقلّب أيامها، نُدرك متأخرين أن العلاقات الحقيقية لا تُقاس بعدد الصور المشتركة ولا بحجم الكلمات الجميلة، بل تُقاس بمن يبقى حين تشتدّ العواصف. ففي أوقات الرخاء، يبدو الجميع طيبين، قلوبهم منفتحة وابتساماتهم حاضرة، أما في لحظات الوجع فتنكشف المعادن، ويظهر من كان وجوده صدفة ومن كان حبّه موقفًا راسخًا.
تختبرنا الحياة دائمًا في لحظات الألم، لا لتؤلمنا، بل لتُرينا من حولنا على حقيقتهم. فهناك من يختفي مع أول عثرة، وهناك من يمدّ يده ليبقيك واقفًا، لا لأنه مضطر، بل لأنه لا يستطيع أن يراك تتألم وحدك.
ذلك هو الإنسان الذي يمكنك أن تكون على طبيعتك أمامه، دون خوف من العتاب أو اللوم، لأن بينكما مسافة أمان يسكنها الصدق والاطمئنان.
كلنا نبحث عن شخصٍ نشاركه رحلة الحياة بكل ما فيها: فرحها وألمها، تعبها وأملها. شخصٌ يظل إلى جوارك حين يخونك العمر وتُرهقك الأيام، حين تفقد الحيلة ولا تجد إلا كتفًا ترتاح عليه. فالعلاقات الحقيقية لا تُبنى على لحظات الفرح، بل على الأوقات التي تحتاج فيها إلى من يُنصت لصمتك قبل كلامك.
ومع مرور السنوات، نكتشف أن ما يعيننا على مواجهة الحياة ليس الطموح وحده، ولا القوة وحدها، بل وجود من يُذكّرك بنفسك حين تتوه، ويؤمن بك حين لا تؤمن أنت بذاتك. إنهم أولئك الذين يمنحوننا السكينة التي تُرممنا كلما تصدّعت فينا الأحلام.
فلنحافظ على هؤلاء، أولئك الذين يبقون رغم المسافة، الذين لا يميلون حتى لو مالت الدنيا.
فهم الذين يمنحون للحياة معناها الحقيقي، ويجعلوننا ندرك أن السعادة ليست في عدد من نعرف، بل في دفء من يبقى حين يرحل الجميع.