بقلم: جهاد شوقي السيد
منذ أن أشرقت شمس الإسلام على البشرية، حمل معه رسالة عدل ورحمة، أنصفت المرأة ورفعت من شأنها وكرمتها بعد عصور من التهميش والظلم والجاهلية، فقد منحها الإسلام حقوقها كاملة في الميراث والمهر والذمة المالية المستقلة، وشرع لها من الأحكام ما يصون كرامتها ويحفظ مكانتها في المجتمع، وجعل العلاقة بينها وبين الرجل قائمة على المودة والرحمة.
وقد جاء في كتاب الله العزيز قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا… وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا” [سورة النساء: 19]
ولم يتوقف الإسلام عن تكريم المرأة بحفظ حقوقها فقط فنجد سوره في القرآن سميت بسوره النساء وهي تشمل احكام وقواعد بناء الأسرة والمجتمع وكذلك سورة الطلاق التي نظّمت أدق تفاصيل الحياة الزوجية، وحمت حقوق المرأة المطلقة أو الأرملة، ووضعت القواعد التي تصون كرامتها في لحظات الانفصال والضعف.
ولم يكن هذا التكريم محصورًا في التشريع فحسب، بل امتد إلى الرموز والنماذج الإيمانية التي خلدها القرآن الكريم عبر قصص الأنبياء.
وسميت سوره اخري باسم امرأة تمجيدا لها ومعجزاتها وهي سورة مريم فقد خلد الله ذكرها اصطفاها من بين نساء العالمين، وجعل قصتها آية تتلى إلى يوم القيامة. فمريم عليها السلام كانت رمز الطهر والإيمان، ومعجزاتها في حملها بعيسى عليه السلام كانت إعلانًا إلهيًا لقدرة الله المطلقة أن يقول للشيء كن فيكون.
أما السيدة هاجر، فهي نموذج آخر خُلد في شعائر الإسلام، فكل حاجٍّ أو معتمر يسعى بين الصفا والمروة، يعيد بخطاه ذكرى امرأة مؤمنة، تركها نبي الله إبراهيم عليه السلام في صحراء قاحلة بأمر من الله، فقالت بثقة ويقين: “إذن لن يضيعنا الله.”
سعت بين الجبلين سبع مرات بحثًا عن الماء، فكانت النتيجة بئر زمزم المباركة التي لا تزال تفيض إلى يومنا هذا فصار سعيها شعيرة خالدة، وشاهدًا على قوة الإيمان وصبر المرأة حين تتوكل على ربها.
وفي قصر الطغيان، برزت آسيا زوجة فرعون كشمعة من نور وسط ظلمات الكفر فقد اراد الله ان يربي عدو فرعون في بيته وعلي يد زوجته التي اقنعته “ان يكون قرة عين لنا” حتي يشتد عوده ليتم رسالته، وقد آمنت بالله وصدقت موسى عليه السلام، فتعرضت لأشد أنواع العذاب، لكنها لم تتزحزح عن يقينها بالله الواحد الأحد ورفعت يديها إلى السماء وقالت: “رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ…” [سورة التحريم: 11]
فاستجاب الله دعاءها، وجعلها من سيدات نساء الجنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “سيدات نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران: فاطمة، وخديجة، وآسية امرأة فرعون.”
أما الملكة بلقيس، فتمثل نموذج المرأة القائدة الحكيمة، التي استجابت للحق حين تبينته، فقالت بكل خضوع لله تعالى: “رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” [سورة النمل: 44]
وفي التاريخ الإسلامي الحديث، تتجلى السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها كأحد أعظم نماذج المرأة المؤمنة الداعمة. كانت أول من آمن برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وساندته بمالها ونفسها حين كذبه الناس، فكانت له السند والعون في بدايات الدعوة وحين توفيت، سمى النبي عام وفاتها بـ عام الحزن، وفاءً لذكرها ومكانتها في قلبه، وهي من المبشَّرات بالجنة.
وأراد الله أن تكون المرأة محورًا في قصص الأنبياء، وأن تُخلّد سيرتها في القرآن لتبقى مثالًا للأجيال في الإيمان والصبر والعطاء فهي ليست فقط نصف المجتمع، بل هي مصنع القيم والتربية والإيمان ومن رحمها يولد الأنبياء والمصلحون والشهداء، فكيف لا يُكرمها الله وقد جعل منها الحياة والرحمة والاستمرار؟
المرأة في الإسلام عزيزة وقوية ولها كيان مستقل يحمل رسالة سامية وهي في قصص الأنبياء مثال لقوه الاحتمال والصبر والايمان، فهي الأم التي ربت، والزوجة التي آمنت، والمؤمنة التي صبرت، والقدوة التي خُلّدت في كتاب الله إلى الأبد.