الأول من نوفمبر 2025 ليس يومًا عاديًا في سجل الأيام، بل صفحة جديدة تُكتب في ذاكرة الحضارة الإنسانية. في هذا اليوم ستُفتح أبواب المتحف المصري الكبير على مصراعيها، ليشهد العالم ميلاد أعظم صرح ثقافي وأثري عرفته البشرية في العصر الحديث. إنه المتحف الذي طال انتظاره، المتحف المصري الكبير، الذي يقف شامخًا على هضبة الجيزة كأنه يروي للعالم من جديد قصة المجد المصري الذي لا ينتهي.
منذ تسعينيات القرن الماضي بدأت الفكرة، فكرة أن يكون لمصر متحف يليق بعظمة تاريخها وثراء آثارها. كانت البداية حلمًا طموحًا، ثم تحول إلى مشروع عالمي استغرق سنوات طويلة من البناء والتخطيط، حتى أصبح واقعًا يلامس السماء. وعلى مقربة من الأهرامات الثلاثة، حيث صمت الحجارة يحكي أسرار الأبدية، ارتفع البناء الزجاجي الفخم بتصميمه المعاصر الذي يجمع بين روح الماضي وجرأة الحاضر.
المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى لعرض القطع الأثرية، بل مدينة ثقافية متكاملة. يضم أكثر من مائة ألف قطعة نادرة، تتصدرها كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون، التي تُعرض كاملة لأول مرة منذ اكتشاف مقبرته عام 1922، في تجربة ساحرة تأخذ الزائر في رحلة عبر الزمن إلى قلب الحضارة المصرية القديمة. عند دخولك القاعة الكبرى، يستقبلك تمثال رمسيس الثاني بارتفاعه المهيب، وكأنه حارس الزمن الذي عاد ليستقبل أبناءه وضيوف بلاده.
داخل المتحف تمتزج التكنولوجيا بالفن، والعلم بالإبداع. شاشات عرض ثلاثية الأبعاد تروي قصص الملوك والمعابد، ومختبرات ترميم حديثة تعمل على حفظ التراث بأساليب غير مسبوقة. كما يحتوي المتحف على قاعات سينما ومكتبة متخصصة ومناطق استراحة وحدائق مفتوحة، ليكون تجربة شاملة تربط الزائر بروح المكان، وتجعله يعيش التاريخ لا يشاهده فقط.
هذا الحدث لا يمثل مجرد افتتاح لمتحف، بل هو إعلان عن ميلاد عصر جديد في الثقافة والسياحة المصرية. فمصر تراهن على المتحف المصري الكبير ليكون بوابة لنهضة سياحية عالمية، ومركزًا دوليًا للحضارات القديمة، ومنارة تُعيد للإنسانية وعيها بجذور الحضارة الأولى. إنه ليس مجرد معرض للآثار، بل رسالة خالدة تقول للعالم: هذه هي مصر، أرض الخلود، ومصدر النور الذي أضاء وجه التاريخ منذ فجر الخليقة.
ما سيحدث في الأول من نوفمبر هو أكثر من احتفال رسمي، إنه طقس روحي يُعيد إحياء الذاكرة الجماعية للمصريين، ويُشعل فيهم فخر الانتماء. في تلك اللحظة، حين تنعكس أشعة الشمس على جدران المتحف الزجاجية، وتُطل الأهرامات من خلفه في صمت مهيب، سيشعر كل مصري أن روحه متصلة بجذوره، وأن مجده القديم ما زال حيًا ينبض.
المتحف المصري الكبير هو وعد بمستقبل يستند إلى تاريخ لا يُقهر، وبأن مصر التي أبهرت العالم ذات يوم، لا تزال قادرة على أن تُدهشه من جديد. وفي اليوم الذي تفتح فيه بواباته، ستقف الأهرامات شامخة كعادتها، تُبارك هذا المولود الجديد الذي انضم إلى حراسة سر الخلود، وستُعلن القاهرة للعالم كله أن الحضارة لا تموت، بل تُولد من جديد على أرض الكنانة مصر أم الدنيا فخر كل مصري ومصرية إلي قيام الساعة.





























