نبدأ المقال بسؤال للقارئ الكريم: هل تعلم ما هي منطقة الكذب والصدق في جسدك؟
إنها الناصية التي ذُكِرَتْ في القرآن منذ ما يزيد عن 1400 سنة في قوله تعالى: “كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ. نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ”، والناصيةُ: هي مُقدمة الرأس، وأُجريت العديد مِن الأبحاث والتجارب، وتم الْتِقاط العديد مِن الصور لجميع أجزاء الدماغ، فوَجَد العلماء أن الإنسان عندما يكذب، فإنَّ هناك نشاطًا كثيرًا تُظهره الصورُ المغناطيسية في منطقةٍ محددةٍ في المخ، وهي أعلى مُقدمة الرأس، وعندما يكون الإنسان صادقًا تكون هذه المنطقة مِن الدماغ في حالة نشاط أيضًا؛ فأمكن للعلماء استنتاج أن منطقة الناصية هي المسئولة عن الصدق والكذب، ولقد أثبتت التجارب الجديدة على المخ بطريقة التصوير بالرنين المغناطيسي أن الإنسان عندما يكذب فإن دماغه يعمل أكثر، ومن ثَم يتطلَّب طاقةً أكبرَ، وهذا يعني: أن الصدق يُوفِّر طاقةً للمخ.
واستطاع العلماءُ الكَشْف عن الكذب عند المجرمين الذين يخدعون أجهزة الكشف عن الكذب باستخدام تقنية مسح المخ؛ حيث إن الإنسان لا يستطيع التحكُّم في المنطقة الأمامية في دماغه التي تكون أكثر نشاطًا عندما يكذب، وذلك برصد حركة الدم وسرعة تدفُّق الدم، وبالطبع فإن المنطقة ذات التدفُّق الأكبر تكون هي الأنشط، وكما هو معروف فإن الجزء الأمامي من الدماغ هو أهم جزء في الدماغ؛ حيث يتمُّ فيه توجيه الإنسان والحيوان، ويتمُّ فيه اتخاذ القرارات المهمة والتخطيط للخير والشّرّ؛ فبهذه الأبحاث أُكِّدتْ هذه الحقائق منذ سنواتٍ قليلة، مع أن القرآن أول كتاب تحدَّث عن هذه المنطقة؛ يقول ربُّ العزة: “مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ”، وقال سبحانه: “كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ* نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ”، هكذا ينسب القرآن الكذب والخطأ إلى الناصية منذ أكثر مِن أربعة عشر قرنًا، قال صلى الله عليه وسلم: “اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمَتِك، ناصيتي بيدِك”، فمن هنا يُفهم أيضًا أن الناصية مركز القيادة، ولحكمةٍ يعلمها الله شرَع الله أن تسجدَ هذه الناصية لله تعالى.
السؤال الثاني: هل تعلم أن بجسدك 360 مفصلًا؟
روى الإمام مسلم عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله قال:” إنه خُلِقَ كلُّ إنسان مِن بني آدم على ستين وثلاثمائة مَفْصلٍ؛ فمَنْ كبَّر الله، وحمد الله، وسبَّح الله، واستغفر الله، وعزَلَ حجرًا عن طريق الناس أو شوكةً أو عَظْمًا عن طريق الناس، وأَمَر بمعروفٍ، ونهى عن منكرٍ، عَدَدَ تلك الستين والثلاثمائة السُّلامى، فإنه يمشي يومئذٍ وقد زَحْزَحَ نفسه عن النار”. فالمفاصلُ هي التقاءُ العظام بعضها مع بعض، وأغلبها مُتحرِّك، ولكن بعضها ثابت كمفاصل جمجمة الرأس.
والأمرُ المُعجِز في هذا الحديث: أن يُحدِّد المصطفى عددَ مفاصل جسم الإنسان هذا التحديد الدقيق في زمنٍ لا يعرف الإنسانُ فيه أدنى علم عن تشريح الإنسان وأثبت العلمُ الحديث هذه الحقيقة في أواخر القرن العشرين، وبيَّن أن منها 147 مفصلًا بالعمود الفقري، و24 مفصلًا بالصدر، و86 مفصلًا بالنصف العلوي مِن الجسم، و88 مفصلًا بنصفه السفلي، و15 مفصلًا بالحوض، فإخبار النبي بهذه الحقيقة العلمية إعجازٌ رباني؛ لأن الله سبحانه يعلم أن الإنسانَ سيصل إلى إدراك هذه الحقيقة التشريحية لجسم الإنسان، فتكون معجزةً له- صلى الله عليه وسلم- دالةً على صِدْق النبوة واتصاله بوحي السماء.
المعجزةُ الإلهية أنه مِن البديهي أن أية مادة تحتكُّ وتتحرَّك بالنسبة لمادة أخرى، لابد أن تُبلى، طال الزمانُ أو قَصُر، وإنْ توافر لها عواملُ التزييت والتشحيم، أما مفاصل الإنسان فقد امتلكت الحيوية والكفاءة الربانية التي تمدّها (بزيتها) العُمر كله، وهو زيتٌ يختلف كل الاختلاف عن زيوتنا وشحوماتنا؛ لأن زيت الحياة سائلٌ مائي أشبه ما يكون ببلازما الدم، وهذا السائلُ يخرج مِن نهاية المفاصل، ونهاية المفاصل بدورها محاطة بطبقة مِن النسيج الغضروفي المرن، ويحيط به غشاء صُلْب نسبيًّا يُعرف باسم: الغشاء المزلقي، وللعلم فإنَّ سُمك السائل الفاصل بين المفاصل يقع في حدود جزءٍ مِن عشرة ملايين جزء مِن المليمتر، وهذه دقّة في الصنع ما بعدها دقّة! فتبارك الله أحسن الخالقين.
لما كان الإنسانُ كثيرَ النسيان، فقد أمره سبحانه وتعالى بالتأمُّل في ذاته؛ ليرى العجائبَ والمعجزات الكثيرة التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، ويرى كيف ركب في هذا البناء الدقيق الذي يحتوي بداخله على أسرار وألغازٍ يُظهرها البحث العلمي بين الحين والحين.
والسؤالُ الثالث الذي يَطْرَح نفسه الآن: لماذا خَلَقَنا الله تعالى على هذه الهيئة؟
حين نُجيب عن ذلك: نجد أن هيئة الإنسان بها صناديق متعدّدة لتحويَ بداخلها أعضاء مهمّة وخطيرة؛ فالقلبُ والرئتان داخل قفص عظميٍّ يتكوّن من العمود الفقري وضلوع الصدر لحمايتهما مِن أي مؤثّرات خارجية، فتخيَّل لو أن القلبَ في متناول الصدمات والكدمات لحدثتْ مشكلات كثيرة تضرُّ بالإنسان، وكذلك نجد الأعضاء الرقيقة- كالمخ والنخاع- تحتويها صناديقُ عظمية، مُبطَّنة بأغشية ومواد سائلة لَزِجة لحمايتها مِن الصدمات، نجد المثانة والرحم والمبايض في صندوقٍ عظميٍّ فيما يُسمَّى بعظم الحوض لحمايتها مِن العبَث بها. وللحديث بقية.






























