تدفقت دماء شهداء المسجدين في نيوزيلندا فامتزجت بأطيب ثرى وبعوامل إلهية، زرعت شجرة جديدة طال انتظار العالم لرؤية جذورها، وأوراقها اليانعة، هذه الشجرة استطاعت وبسرعة فائقة تغيير المفاهيم التي عُميت أبصارنا وأبصار العالم عنها، وفي الزمن القريب أو البعيد سوف يزيل عبق ثمارها الروائح الكريهة التي تهب ليلا نهار علي العالم، وعلي وجه الخصوص العالم العربي.
تابعت هذا الحدث منذ لحظته الأولي حتي قيام المسلمين بإقامة شعائر صلاة الجمعة الماضية ودفن الشهداء، والتي حضرتها رئيسة الوزراء ومن خلال المتابعة أستطيع التأكيد أن هناك شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء سوف ينهل من ثمارها العالم أجمع، والعالم الاسلامي على وجه الخصوص، بمعني أننا سوف نتعلم منهم الكثير ونأخذ أخلاق ديننا من سلوك أهل نيوزلندا، المسلم منهم وغيره.
الجالية المسلمة هناك، رغم الفجيعة التي أدمت قلوبهم وغليت الدماء في عروقهم، لم يأخذهم الانفعال المهلك والوعي المتدني، بل تمتعوا بروح الإسلام الحضارية، فلم تمتد أيديهم بالإتلاف أو الهلاك لأى شئ في بلادهم، ثأرا لشهدائهم، فلم تمتد أيديهم على شجرة بإتلافها أو غيرها، لم يصدر منهم ألفاظ كالتي تصدر في مثل هذه المواقف في بلادنا.
لم تستدع روح المؤامرة والحرب على الإسلام وتآمر الدولة علي الجالية المسلمة، بل على العكس كان الأسلوب أكثر حضاريا، لدرجة أن الخطيب في صلاة الجمعة التالية للحدث (أظنه مصرياً) أثني ثناءً على رئيسة الوزراء وأجهزة الدولة وشدد في خطبته على كلمة بلدنا جميعاً.
لم يحمل لهجة الاستعلاء والتآمر ورفع السيف على رقاب أعداء الدين، بل حمل بهجة الإسلام الحقيقية وهي الحب وراية الإسلام الوارفة وهي السلام، ودعوة الإسلام السامية بالاعتزاز بالمكان والأرض التي يعيش عليها المسلم.
النساء المسلمات اصطففن بالآلاف في صلاة الجمعة، وهن محجبات، وهذه رسالة للمتخلِّفين في عالمنا الإسلامي الذين يدعون لنزع الحجاب باعتباره زي غير إسلامي وغير حضاري!!
بل علي العكس أكدت رئيسة الوزراء على فضيلة هذا الزي وارتدت مثلهن، زيّاً أسوداً مع طرحة على الرأس تضامناً مع سلوك وثياب المسلمة.
حينما تنبهر الأنظار بالمسلمات في نيوزلندا وهن يصلّين لا نستطيع إلا أن نتعجب علي مروّجي الفكر العلماني والإلحادي في بلادنا.
رئيسة الوزراء التي حضرت إقامة الشعائر تعيدنا في مظهرها وسلوكها إلى سنين أمجاد فضليات الإسلام.
السيدة تحجّبت ولم تحاط بجبل من الحراس بل وقفت، فالتفَّت حولها النساء المسلمات، تحتضنهن ويحتضنها وتنال منهن الحب والتقدير، وتسير وسطهن في خطوات هادئة حزينة وكأنها مسلمة من صفوف الصحابيات الجليلات، وهذه أيضا رسالة للعقول النتنة في عالمنا الإسلامي.
السلوك الحضاري للجالية المسلمة هناك، الذى يفوح منه عبق الحب والسلام دفع أهل نيوزلندا إلى التلهف والتعرف علي الإسلام، علي الدين الذى يتمتع به هؤلاء، ودفع سلوكهم الهادئ إلي رفع الأذان عبر وسائل الإعلام كلها في نيوزلندا، فسمع أهل نيوزلندا كلمة التوحيد بعيداً عن الغلظة والتعنت والاستعلاء.
الكلام حول المشهد كثير لكنه كان رسالة للعالم أجمع، والمسلمين خاصة، بأن الإسلام رسالة حب وسلام.