من الظلم أن نضع الصوفية كلها في سلة الاتهام، أو أن نصفها بالانحراف والبدعة كما يروّج البعض، فالتصوف في جوهره طريق روحي أصيل في الإسلام، هدفه تزكية النفس، وتطهير القلب، والارتقاء بالإنسان نحو الإخلاص والرحمة والمحبة.
لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أيضًا، أن هناك سلوكيات خاطئة لبعض المريدين شوّهت الصورة المشرقة للتصوف، وأخرجته في نظر الناس عن مقصده الأصيل.
فالتصوف الحقيقي يقوم على حب الله وخدمة الناس، وعلى التواضع والزهد والصدق، لا على المظاهر أو الأزياء أو التفاخر بالكرامات.
إنه في الأصل منهج أخلاقي وسلوكي يعلّم الإنسان أن يعيش لله وبالله، بعيدًا عن الرياء والكبر والأنانية.
لكن للأسف، ابتعد بعض المريدين في زماننا عن هذه المعاني الراقية، وانشغلوا بالمظاهر الخارجية والطقوس الشكلية، حتى صار التصوف عند بعضهم مجرد احتفالات وأناشيد وأزياء، دون جوهر روحي أو وعي ديني.
إن التصوف بريء من هذه الممارسات، كما أن الإسلام بريء من التطرف، فكل فكر أو سلوك يتجاوز الاعتدال يخرج عن روح الدين الحنيف. والخطأ في سلوك بعض الأفراد لا يعني فساد المنهج كله.
وهنا تبرز أهمية دور العلماء والإعلام معًا في تصحيح المفاهيم حول التصوف فالعلماء مطالبون بتوضيح أن التصوف الصحيح ليس خرافة ولا بدعة، بل هو تربية للقلب وتزكية للنفس، وأن من يسيء إليه من المريدين لا يمثل إلا نفسه.
أما الإعلام، فعليه أن يتناول الظاهرة بروح من الإنصاف، فيُظهر الوجه المضيء للصوفية، لا أن يختزلها في مشاهد الموالد أو الممارسات الفردية الشاذة.
كم من شيوخ صوفيين كبار كانت لهم بصمات في التاريخ الوطني والدعوي، نشروا الإسلام في إفريقيا وآسيا بالحكمة والموعظة الحسنة، ودافعوا عن أوطانهم في وجه الاستعمار، وغرسوا في الناس حب الوطن والإنسان.
ظل التصوف على مدى قرون ركنًا من أركان الشخصية الدينية المصرية. فالمصري بطبعه محبّ للسلام، يميل إلى الرحمة والتسامح، وهذه القيم هي جوهر التصوف الحق.
وقد كان للأزهر الشريف علاقة وطيدة بشيوخ الطرق الصوفية، الذين جمعوا بين العلم والسلوك، ورفضوا الخرافة والانغلاق.
لكن بعض الموالد والممارسات الشعبية خرجت عن إطارها الديني إلى مظاهر غير لائقة، وهو ما يستوجب ضبطها وتنقيتها من الشوائب، مع الحفاظ على بعدها الروحي والتراثي الجميل.
إن التصوف ليس كله شرًّا، بل هو من أجمل مدارس الإسلام إذا التزم بالمنهج الصحيح. فالخلل ليس في الفكر الصوفي نفسه، وإنما في تصرفات بعض المريدين الذين فقدوا البوصلة.
والمتصوف الصادق هو الذي يعيش بالحب والصدق، يذكر الله بلسانٍ خاشع، ويخدم وطنه بقلبٍ مخلص، ويبتعد عن الغلو والخرافة.
إننا بحاجة اليوم إلى تصوفٍ واعٍ يعيد للروح صفاءها، وللدين جماله، وللمجتمع اتزانه، في زمنٍ اختلطت فيه الأصوات وكثرت فيه الادعاءات.
 
		



























