استنكر الهدهد فعل ملكة سبأ، ولكنه أشاد بعرشها وأفزعه تطور حضارتها ونهضتها (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) أي: تملك قبيلة سبأ وهي امرأة (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يؤتاه الملوك من الأموال والسلاح والجنود والحصون والقلاع ونحو ذلك. (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) أي: كرسي مُلكها الذي تجلس عليه عرش هائل، وعظم العروش تدل على عظمة المملكة وقوة السلطان وكثرة رجال الشورى.
أفزعه السجود لغير الله وانحرافهم عن جادة الصواب. (ولها عرش عظيم). لم يطلب الهدهد من نبي الله سليمان هدم هذه الحضاره التي فاقت الوصف ولم يجد وصفا أرقى من عظمته. وفي ذلك ردّ على الهمج ممن يدّعون ظلما فقها وفهما. فالحضارة المصرية قديمة وكانت قبل الإسلام، ومع دخول عمرو بن العاص مصر لم يثبت أنه سارع بهدم معالمها والقضاء على تاريخ الأمة.
مصيبتنا الكبيرة أن هناك من يعبد الله على حرف ولا علاقة له بالمنطق الذي يتفق تماما مع الشرع الحنيف. يتمسكون بالفروع ويهملون الأصول والفرائض. حتى وقت قريب كانوا يحرّمون على الناس التصوير الفوتوغرافي بأنواعه مع أنه أصبح ضرورة في كل مناحي الحياة. ومازالوا في غيّهم يعمهون! لقد سمعت أحد دعاة السلفية وهو يستنكر على الناس احتفالهم بالمتحف المصري الكبير الذي يضم بين أركانه تاريخا ممتدا وطويلا للشعب المصري. وتناسي الداعية المغمور أننا في عصر الذكاء الاصطناعي وأصبح العالم في وقتنا قرية صغيرة! وأن الناس كل الناس يعرفون الحلال والحرام ويعرفون أكثر أن هذا الكون له مدبِّر واحد، هو الله الواحد. أي عبادة يتخوّف منها هؤلاء؟1 وقد انتهى زمن يغوث ويعوق ونصرا وقد أضلّوا كثيرا؟! والبون شاسع بين عصر كل الناس فيه كانت تعبد الأصنام وبين عصر الرسالات، بل إن آخر رسالة نزلت قبل ١٤٠٠ عام أو يزيد، قانون الفتوى أين هو من هؤلاء الهمج؟ وأين نصوصه التي يجب تفعيلها اليوم قبل الغد؟ والي متى هذا الإسهال ممن يفتقدون الزاد الفقهي؟ والمؤسف أن أولئك يجدون من يصدّقهم ويروِّج لكذبهم.
حماية لشبابنا، أوقفوا عبث هؤلاء. وحماية لعقول الناس. لقد استبشر الناس خيرا بصدور قانون الفتوى الذي ينظّم ويحدّد من يمتلك فعلا الحديث في أمور الفتوى. مصر بلد الأزهر التي علَّمت العالم أصول الدين. وفي مكّة قِبلة المسلمين وفي مصر قِبلة العلم الشرعي والديني. ودار الإفتاء المصرية صاحبة التاريخ في بيان جوهر الإسلام الصحيح الذي يجمع ولا يفرق ويستنهض الهمم ويدعو الناس الي استشراف المستقبل بالأمل المشرق. إلي متى نسمع فتاوى الهواة وهم لاعلاقة لهم بالفقه الحنيف؟!





























