فى كتابه “الإسلام دعوة عالمية” يرد الأستاذ عباس محمود العقاد (1889ـ 1964)على كثير من الشبهات التي أثيرت حول الإسلام كعقيدة دينية ونظام حياة شامل، صالح لكل زمان ومكان، ويدحض أكاذيب بعض المستشرقين الذين خدعوا الناس بعلم ضال مضل، كما ينقل آراء مستشرقين آخرين دافعوا عن حقائق الإسلام وأنصفوا نبيه، صلى الله عليه وسلم، ومن يقرأ هذا الكتاب يشعر أن العقاد يعيش بيننا، ويصدع بالحجة الدامغة، ليس فى مواجهة المستشرقين وحدهم، وإنما فى مواجهة أذيالهم من المسلمين المخدوعين أو المستأجرين، الذين يرددون اليوم ما كان يقوله عتاة المكذبين من أباطيل فى مطلع القرن الماضى.
صدر هذا الكتاب عام 1978، أي بعد وفاة العقاد ب14 عاما، ويقع فى 198 صفحة من القطع المتوسط، وهو مجموعة مقالات، أو فصول، نشر أغلبها فى مجلة “الأزهر” خلال الفترة من الحرب العالمية الثانية إلى عام 1963، قام بجمعها وترتيبها والتقديم لها محمود أحمد العقاد، وهذه المجموعة تضم خمسة فصول: الأول عن “نبي الإسلام”، والثانى عن “رمضان والصيام”، والثالث عن “الأعياد الدينية وحكمتها الخالدة”، والرابع عن “الإسلام والمسلمون”، والخامس “مباحث فى القرآن الكريم”.
فى الفصل الأول مبحث شيق بعنوان (رأي فى نبي الإسلام بين الأنبياء)، عرض فيه العقاد ما كتبه هنرى توماس وزوجته دانالي توماس عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهما «القادة الدينيون»، الذى يتضمن تراجم للأنبياء الثلاثة موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام، بالإضافة إلى ثلاثة من مؤسسي الديانات الشرقية هم: زرادشت وبوذا وكونفوشيوس، وعشرة مصلحين دينيين، بداية من بولس الرسول ومارتن لوثر وليولا، وانتهاء بالمهاتما غاندي.
وقد أثنى العقاد على مؤلف الكتاب ومؤلفته، لأنهما نظرا إلى نبي الإسلام بعين منصفة، اعتمدت على العلم والبحث، ولم تركن إلى ميراث العداوة والانحياز التلقائي، وقد بدآ حديثهما عن محمد صلى الله عليه وسلم بالسطور التالية:
“في القرن السابع، حيث بدا على الدنيا أنها قد أصيبت بالجفاف، وحيث فقدت اليهودية مولدها، واختلطت المسيحية بموروثات الأمم الرومانية والبربرية، نبع من المشرق فجأة ينبوع صاف من الإيمان فى صحراء الجزيرة العربية، ارتوى منه نصف العالم، وتروى الأخبار المأثورة كثيراً من المعجزات والخوارق التي صاحبت مولد محمد وطفولته، لكن محمداً لم يذكر هذه المعجزات، ولم يذكر قط معجزة تتصل بشخصه أو برسالته، لأنه لم يأت ـ كما قال ـ بغير معجزة واحدة، وهى معجزة القرآن، الذي تلقاه وحياً من الله، وقد جاء بالدين ليدعو إلى ملة إبراهيم وموسى والمسيح على هدى جديد”.
ومما قالاه أيضا عن مناقب النبي:” كان محمد محباً لإخوته من بنى الإنسان، بسيطاً في معيشته، يأكل خبز الشعير، ويخدم نفسه، وإن اجتمعت له أسباب الثراء، ويتورع أن يضرب أحدأ أو يسيء إليه بكلمة تقريع، ولم يغفر لنفسه أن أعرض ذات مرة عن سائل ضرير، وقد حاول أن يقابل كراهية أعدائه بالحب، لأنه يعلم الناس أن أحب الخلق إلى الله أحبهم إلى خلق الله، ولكن عبدة الأوثان في مكة لم يستمعوا لدعوة الحكمة والمحبة، ونظروا إليه فلم يفهموا من قوله ولا عمله إلا أنه ثار عليهم، يسفه أحلامهم ويحطم أصنامهم، فتوعدوه واعتدوا على حريته، وأوشكوا أن يعتدوا على حياته”.
ويشهد المؤلفان أن نبي الإسلام لم يبدأ المخالفين له بالحرب، بل هم الذين بدأوه بها، واضطروه إليها، وكان من خلائقه المعروفة أن يرحم الضعيف، ويأمر بالرحمة، ويرفق بالحيوان، وينهى عن التحريش بين البهائم، ويدعو أتباعه إلى إدخال السرور على قلوب المحزونين.
وأشار المؤلفان إلى الخبر الذي ورد عن وقوف النبى لجنازة يهودى، وإلى الأخبار الكثيرة التي وردت عن أدبه صلى الله عليه وسلم في معاملة الضعفاء واليتامى والخدم والعبيد، وقالا إن هذا هو أدب النبوة الإسلامية في جوهرها، وليس أدب القتال عنواناً لها كما حسب بعض الناقدين للإسلام على السماع، أما الجهاد فهو فريضة يؤمن بها المسلم، ويتعلم معها من نبيه أن أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه.
ويرفض الكاتبان أى كلام عن انتشار الإسلام بالسيف، ويؤكدان أنه من غير المعقول أن يقوم رجل واحد بحمل السيف على أمة تعاديه وتنكر دعواه، لابد من النظر والتفكر، وما شرع الجهاد إلا دفاعا عن النفس، ثم يلتفتان التفاتة حسنة إلى مغزى الدار الآخرة، والحساب والثواب والعقاب، وأثر ذلك فى حياة المسلم الممتدة إلى ما بعد الموت، كما يلتفتان إلى مغزى افتتاح سور القرآن بـ ” بسم الله الرحمن الرحيم “.
وأكمل الأسبوع القادم إن شاء الله.





























